الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: تعدد الجماع، وأثره على الكفارة
.
تحرير محل النزاع في المسألة:
أولا: اتفق الفقهاء على أن من وطئ في يوم من رمضان، ثم كفر، ثم وطئ في يوم آخر، فعليه كفارة أخرى
(1)
.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
الدليل الأول:
إذا كفر، فقد جبر ما انتهكه من حرمة الشهر، فصار بمنزلة من لم ينتهك، فوجب عليه كفارة أخرى بالجماع الثاني
(2)
.
الدليل الثاني:
معنى الزجر مقصود في هذه الكفارة، فإذا جامع، فكفر، ثم جامع لم يتحقق مقصود الزجر؛ لأنه لما جامع بعد ما كفر، علم أن الزجر لم يحصل بالكفارة الأولى، فوجبت عليه كفارة أخرى
(3)
.
ثانيا: اتفق الفقهاء على أن من وطئ مرارا في يوم واحد، ولم يكفر، فليس عليه إلا كفارة واحدة
(4)
.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
أن من وطئ مرارا في يوم واحد، ولم يكفر، إنما أفسد يوما واحدا، فتداخلت كفاراته
(5)
.
(1)
ينظر: المبسوط، للشيباني 2/ 153، وشرح مختصر الطحاوي، للجصاص 2/ 425، والمبسوط، للسرخسي 3/ 74، والإشراف على نكت مسائل الخلاف، للقاضي عبدالوهاب 1/ 435، وبداية المجتهد، لابن رشد 2/ 68، والتاج والإكليل، للمواق 3/ 364، والأم، للشافعي 2/ 108، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير العمراني 3/ 525، والمجموع، للنووي 6/ 336، والمغني، لابن قدامة 3/ 144، والكافي، لابن قدامة 1/ 447، والإنصاف، للمرداوي 3/ 320.
(2)
ينظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص 2/ 425.
(3)
ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني 2/ 101.
(4)
ينظر: المبسوط، للشيباني 2/ 153، وشرح مختصر الطحاوي، للجصاص 2/ 424، والمبسوط، للسرخسي 3/ 74، والتنبيه على مبادئ التوجيه، للتنوخي 2/ 753، وبداية المجتهد، لابن رشد الحفيد 2/ 68، والتاج والإكليل، للمواق 3/ 364، والحاوي الكبير، للماوردي 3/ 428، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير العمراني 3/ 525، والمجموع، للنووي 6/ 336، والمغني، لابن قدامة 3/ 144، والكافي، لابن قدامة 1/ 447، والإنصاف، للمرداوي 3/ 320.
(5)
ينظر: التاج والإكليل، للمواق 3/ 364.
ثالثا: اختلف الفقهاء فيمن وطئ في يوم من رمضان، ولم يكفر حتى وطئ في يوم ثان، على قولين:
القول الأول:
يجب لكل يوم كفارة، وهذا ما ذهب إليه المالكية
(1)
، والشافعية
(2)
، والمذهب عند الحنابلة
(3)
.
دليل القول الأول:
أنهما يومان، لو أفسد صوم كل واحد منهما على الانفراد، وجبت به الكفارة، فإذا جمع بينهما في الإفساد، وجب أن تجب به كفارتان
(4)
.
القول الثاني:
تجب كفارة واحدة، وهذا ما ذهب إليه الحنفية
(5)
، ووجه عند الحنابلة
(6)
.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت. قال: (ما لك؟ ) قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم
(7)
.
(1)
ينظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف، للقاضي عبدالوهاب 1/ 435، وبداية المجتهد، لابن رشد الحفيد 2/ 68، والتاج والإكليل، للمواق 3/ 364،
(2)
ينظر: الأم، للشافعي 2/ 108، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير العمراني 3/ 525، والمجموع، للنووي 6/ 336.
(3)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 144، والكافي، لابن قدامة 1/ 447، والإنصاف، للمرداوي 3/ 319.
(4)
ينظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف، للقاضي عبدالوهاب 1/ 435.
(5)
ينظر: المبسوط، للشيباني 2/ 153، وشرح مختصر الطحاوي، للجصاص 2/ 424، والمبسوط، للسرخسي 3/ 74.
(6)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 144، والكافي، لابن قدامة 1/ 447، والإنصاف، للمرداوي 3/ 319.
(7)
سبق تخريجه ص: 198.
وجه الاستدلال بالحديث:
أن السائل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (وقعت) ، وذلك يتناول المرات الكثيرة، كما يتناول المرة الواحدة، ثم لم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن عدد ما أفطر منه، وإنما ألزمه كفارة واحدة، فصار كعموم لفظ من النبي صلى الله عليه وسلم في إيجاب كفارة واحدة على كل من أفطر مرة، أو مرارا
(1)
.
يمكن أن يناقش وجه الاستدلال بالحديث:
حال السائل كان ظاهرا في أن هذا الفعل بدر منه مرة واحدة؛ لذلك لم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن عدد ما أفطر، فإنه جاء فزعا، خائفا، ومن تكرر هتكه لحرمة الشهر، يستمرئ، ويعتاد غالبا، ولا يأتي فزعا.
الدليل الثاني:
لما كانت كفارة شهر رمضان واجبة لحرمة الشهر، لا لانتهاك حرمة الفرض، بدلالة أنها غير واجبة في قضاء شهر رمضان، وحرمة الشهر حرمة واحدة؛ والجماع الثاني حصل والحرمة منتهكة، فلم تبق حرمة للشهر يتعلق بها وجوب الكفارة
(2)
.
نوقش:
لكل يوم من الشهر حرمة يتميز بها عن الآخر، كما أن فساد يوم لا يتعدى إلى غيره، فوجب أن يلزمه بهتك حرمة يوم آخر كفارة مجددة
(3)
.
الترجيح:
الذي يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بوجوب كفارة لكل يوم من رمضان انتهكت حرمته بالجماع؛ لوجاهة استدلالهم، ولورود المناقشة على استدلال القول الثاني، ولما يترتب على القول الثاني من التساهل في حرمة الشهر.
رابعا: اختلف الفقهاء في من وطئ في يوم من رمضان، ثم كفر، ثم وطئ في نهار نفس اليوم الذي أفسده، على قولين:
(1)
ينظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص 2/ 424.
(2)
ينظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص 2/ 425.
(3)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 3/ 427.
القول الأول:
لا تلزمه إلا كفارة واحدة، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم: من الحنفية
(1)
، وأكثر المالكية
(2)
، والشافعية
(3)
.
دليل القول الأول:
الجماع الثاني لم يصادف صوما منعقدا، بخلاف الجماع الأول، فلم تجب عليه كفارة عن الجماع الثاني
(4)
.
القول الثاني:
تلزمه كفارتان، وهو قول بعض المالكية
(5)
، والمذهب عند الحنابلة
(6)
.
دليل القول الثاني:
أن الصوم في رمضان عبادة تجب الكفارة بالجماع فيها، فتكررت بتكرر الوطء إذا كان بعد التكفير، كالحج
(7)
.
نوقش:
الحج لا يخرج منه بالفساد، فكانت حرمته باقية، وليس كذلك الصيام
(8)
.
الترجيح: يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بوجوب كفارة واحدة لكل يوم انتهكت حرمته بالجماع، كفر عن الجماع الأول، أو لم يكفر؛ لوجاهة استدلالهم، ولورود المناقشة على استدلال القول الثاني.
(1)
ينظر: المبسوط، للشيباني 2/ 153، وشرح مختصر الطحاوي، للجصاص 2/ 424، والمبسوط، للسرخسي 3/ 74.
(2)
ينظر: التنبيه على مبادئ التوجيه، للتنوخي 2/ 753، وبداية المجتهد، لابن رشد الحفيد 2/ 68، والتاج والإكليل، للمواق 3/ 364
(3)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 3/ 428، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير العمراني 3/ 525، والمجموع، للنووي 6/ 337.
(4)
ينظر: المجموع، للنووي 6/ 336.
(5)
ينظر: التنبيه على مبادئ التوجيه، للتنوخي 2/ 753.
(6)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 144، والكافي، لابن قدامة 1/ 447، والإنصاف، للمرداوي 3/ 320.
(7)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 144.
(8)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 3/ 428.