الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: جماع الناسي في نهار رمضان
.
اختلف الفقهاء في حكم جماع الناسي في نهار رمضان، على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
من جامع ناسيا في نهار رمضان، فصومه صحيح، ولا يلزمه القضاء، ولا كفارة، وهذا ما ذهب إليه الحنفية
(1)
، والشافعية
(2)
، ورواية عند الحنابلة
(3)
.
دليل القول الأول:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نسي فأكل، وشرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله، وسقاه)
(4)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
نص الحديث على صحة صوم من أكل، أو شرب ناسيا، ويقاس على الأكل، والشرب كل ما يبطل الصوم من الجماع، وغيره .. ؛ لأن النسيان متصور في الجماع كما هو متصور في الأكل، والشرب
(5)
، وإذا كان الصوم تاما صحيحا، لم يجب على الصائم قضاء، ولا كفارة.
القول الثاني:
يجب على من جامع ناسيا في نهار رمضان القضاء فقط، وهذا ما ذهب إليه المالكية
(6)
، ورواية عند الحنابلة
(7)
.
(1)
ينظر: المحيط البرهاني، لابن مازه 2/ 388، والبحر الرائق، لابن نجيم 2/ 315.
(2)
ينظر: المجموع، للنووي 6/ 323، وتحفة المحتاج، لابن حجر 3/ 409، وحاشية الجمل 2/ 345.
(3)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 135، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 3/ 56، والإنصاف، للمرداوي 3/ 311.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الصوم، باب: الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا (1933) 3/ 31، ومسلم في صحيحه، كتاب: الصيام، باب: أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر (1155) 2/ 809.
(5)
ينظر: المجموع، للنووي 6/ 323، وتحفة المحتاج، لابن حجر 3/ 409.
(6)
ينظر: التبصرة، للخمي 2/ 790، وأسهل المدارك، للكشناوي 1/ 418.
(7)
ينظر: الشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 3/ 56، والإنصاف، للمرداوي 3/ 311.
دليل القول الثاني:
أولا: دليلهم على وجوب القضاء:
يمكن أن يستدل لهذا القول: أن النص خص عدم فساد الصوم في حالة النسيان بالأكل والشرب، ولم يذكر الجماع، ولاغيره من مفسدات الصوم، مع قيام الحاجة إلى بيان حكمها، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فدل على بقائها على حكم الأصل، وهو أنها تُفسِد الصيام في العمد، والسهو.
يمكن أن يناقش:
أن النص إنما ذكر حالة النسيان في الأكل، والشرب، على سبيل المثال لا على سبيل الحصر؛ فيعتبر بالأكل، والشرب ماسواهما من مفسدات الصيام؛ إذ النسيان متصور في الكل، والشريعة لا تأتي بالتفريق بين المتشابهات.
ثانيا: دليلهم على عدم وجوب الكفارة:
أن الكفارة ماحية للذنب، ومع النسيان لا إثم ينمحي، فليس ثمة مصلحة من وجوب الكفارة
(1)
.
القول الثالث:
من جامع ناسيا في نهار رمضان وجب عليه القضاء، والكفارة، وهو المذهب عند الحنابلة، ومن مفرداتهم
(2)
.
دليل القول الثالث:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت. قال: (ما لك؟ ) قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(هل تجد رقبة تعتقها؟ ) قال: لا، قال:(فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين)، قال: لا، فقال:(فهل تجد إطعام ستين مسكينا) قال: لا، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر قال:(أين السائل؟ ) فقال: أنا، قال:(خذها، فتصدق به) فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟
(1)
ينظر: الإنصاف، للمرداوي 3/ 311.
(2)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 135، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 3/ 56، والإنصاف، للمرداوي 3/ 311.
فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال:(أطعمه أهلك)
(1)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أن السؤال كالمعاد في الجواب، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من وقع على امرأته، وهو صائم، فليعتق رقبة) فالحال يقتضي العموم، خاصةً أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأعرابي بالكفارة، ولم يسأله عن العمد، والسهو، ولو افترق الحال لسأل واستفصل
(2)
.
يمكن أن يناقش:
لو سُلم بعموم الأمر بالكفارة هنا، فالنصوص التي جاءت بعدم مؤاخذة الناسي خاصة، والخاص مقدم على العام، ومنها: قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}
(3)
، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه:(إذا نسي فأكل، وشرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)
(4)
، وحديث أنس رضي الله عنه:(من نسي صلاة، فليصل إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)
(5)
، فعادة الشرع عدم مؤاخذة الناسي، وعدم ترتيب الأحكام على أفعاله، خاصة في أحكام العبادات، فمالذي يمنع من طرد هذه الصورة إذن!
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بصحة صوم من جامع ناسيا في نهار رمضان؛ لوجاهة ما استدلوا به، ولتطرق المناقشة على ما استدل به أصحاب الأقوال الأخرى، ولقربه من قواعد الشرع في التيسير، ورفع الحرج.
(1)
سبق تخريجه ص: 198.
(2)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 135، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 3/ 56.
(3)
البقرة من الاية: 286.
(4)
سبق تخريجه ص: 202.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: من نسي صلاة فليصل إذا ذكر ولا يعيد إلا تلك الصلاة (597) 1/ 122 ، ومسلم في صحيحه، كتاب: المساجد ، باب: قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها (684) 1/ 477.