الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: حد الإيلاج الموجب للغسل
.
تحرير محل النزاع في المسألة:
أولاً: اتفق الفقهاء على أن تغييب الحشفة في الفرج، موجب للغسل، وإن لم يحصل إنزال للمني
(1)
.
واستدلوا بما يأتي:
أولاً: الأدلة على أن تغييب الحشفة في الفرج يوجب الغسل:
حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان
(2)
الختان فقد وجب الغسل)
(3)
، فدلت هذه الرواية على أن موضع ختان الذكر -الحشفة- قائم مقام الذكر كله، أما المقصود بالمس، فتفسره الروايات الأخرى، ففي رواية:(إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل)
(4)
، وفي رواية:(إذا التقى الختانان)
(5)
، والتقاء الختانين يحصل بتغييب الحشفة في الفرج، فإذا غابت فقد جاوز ختانه ختانها
(6)
.
(1)
ينظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 1/ 16، والبناية، للعيني 1/ 332، وحاشية ابن عابدين 1/ 161، والنوادر والزيادات، لابن أبي زيد 1/ 60، وعيون الأدلة، لابن القصار 2/ 650، ومواهب الجليل، للحطاب 1/ 307، والتعليقة، للقاضي حسين 1/ 366، ونهاية المطلب، للجويني 1/ 142، والمجموع، للنووي 2/ 130، والمغني، لابن قدامة 1/ 149، وشرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص: 357، والمبدع، لابن مفلح 1/ 154.
(2)
الختان هو: موضع القطع من ذكر الغلام، وفرج الجارية. ينظر: النهاية، لابن الأثير 2/ 10.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الحيض، باب: نسخ الماء من الماء (349) 1/ 271.
(4)
أخرجه الترمذي في سننه، أبواب: الطهارة، باب: ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل، (108) 1/ 180، والنسائي في سننه الكبرى، كتاب: الطهارة، باب: وجوب الغسل إذا التقى الختانان (194) 1/ 151، وصححه الألباني في إرواء الغليل 1/ 121.
(5)
أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الطهارة، باب: ماجاء في وجوب الغسل إذا التقى الختانان، (608) 1/ 199 ، وأخرجه أحمد في مسنده، مسند: النساء، مسند: الصديقة عائشة رضي الله عنها (26025) 43/ 151، وصححه الألباني في إرواء الغليل 1/ 121.
(6)
ينظر: المجموع، للنووي 2/ 131.
ثانياً: الأدلة على وجوب الغسل من الجماع، وإن لم ينزل:
الدليل الأول:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جلس بين شعبها الأربع
(1)
، ثم جهدها
(2)
، فقد وجب عليه الغسل وإن لم ينزل)
(3)
والحديث صريح في عدم توقف الغسل على الإنزال.
الدليل الثاني:
حديث عائشة رضي الله عنها قالت: إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل
(4)
هل عليهما الغسل؟ وعائشة جالسة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إني لأفعل ذلك، أنا وهذه، ثم نغتسل)
(5)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أخبر صلى الله عليه وسلم أنه يجامع، ولا يُنزل، ثم يغتسل، وفعله صلى الله عليه وسلم للوجوب، ولولا ذلك لما كان فيه جوابا لسؤال السائل
(6)
.
ثانياً: اختلف الفقهاء في القدر الذي يوجب الغسل من مقطوع الحشفة، على قولين:
(1)
شعبها الأربع هي: اليدان والرجلان، وقيل: الرجلان والشفران، فكنى بذلك عن الإيلاج. ينظر: النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير 2/ 477.
(2)
جهدها أي: دفعها وحفزها، يُقال: جهد الرجل في الأمر: إذا جد فيه وبالغ. ينظر: النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير 1/ 320.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الغسل، باب: إذا التقى الختانان (291) 1/ 66، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الحيض، باب: نسخ الماء من الماء ووجوب الغسل (348) 1/ 271.
(4)
أكسل الرجل: إذا جامع، ثم أدركه فتور فلم ينزل، ينظر: النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير 4/ 175.
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الحيض، باب: نسخ الماء من الماء ووجوب الغسل (350) 1/ 272.
(6)
ينظر: المنهاج، للنووي 4/ 42.
القول الأول:
إيلاج قدر الحشفة من المقطوع يوجب الغسل، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من: الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، وأحد القولين عند الشافعية
(3)
، ومذهب الحنابلة
(4)
.
دليل القول الأول:
قدر الحشفة بدل عن الحشفة من مقطوعها، والبدل له حكم المبدل منه
(5)
؛ فكما أنه بإيلاج الحشفة يجب الغسل، فكذلك إيلاج قدر الحشفة ممن قطعت منه يوجب الغسل.
القول الثاني:
لا يجب الغسل على مقطوع الحشفة، إلا بإيلاج جميع المتبقي من ذكره، وهذا أحد القولين عند الشافعية
(6)
.
دليل القول الثاني:
لم أقف لهم على دليل إلا أنه يمكن أن يستدل لهذا القول:
أن الشارع إنما خص إيلاج الحشفة بإيجاب الغسل؛ لأنها مجمع الشهوة، فإذا زالت وقد خصها الشرع، عاد الحكم إلى الأصل، وهو وجوب الغسل بالإيلاج الكامل.
ويمكن أن يناقش:
الشهوة أمر خفي، وقدر الحشفة أمر ظاهر، وتعليق الحكم بالأمر الظاهر أولى من تعليقه بالأمر الخفي.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بإيجاب الغسل على مقطوع الحشفة إذا أدخل قدرها؛ لوجاهة ما استدلوا به، ولورود المناقشة على استدلال القول الثاني.
(1)
ينظر: البناية، للعيني 1/ 332، وحاشية ابن عابدين 1/ 161.
(2)
ينظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد 1/ 60.
(3)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 211، ونهاية المطلب، للجويني 1/ 142، والمجموع، للنووي 2/ 133.
(4)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 150، وشرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص:360.
(5)
ينظر: القواعد، لابن رجب ص:314.
(6)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 211، والمجموع، للنووي 2/ 133.