الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: تعدد الجماع، وأثره على الكفارة
، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: صورة المسألة:
من جامع أكثر من مرة، وهو محرم، كم كفارة تجب عليه؟
المسألة الثانية: حكم تعدد الجماع، وأثره على الكفارة:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة، على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
إن كفر عن الجماع الأول، وجب أن يكفر كفارة ثانية عن الجماع الثاني، وإن لم يكن كفر عن الجماع الأول، كفر كفارة واحدة عن الجماعين، وهو قول عند الشافعية
(1)
، والمذهب عند الحنابلة
(2)
.
دليل القول الأول:
إذا ترادفت الكفارات من جنس واحد تداخلت، وإن تفرقت؛ فإن الله -تعالى- أوجب في حلق الرأس فدية واحدة، ولم يفرق بين ما وقع في دفعة، أو في دفعات، بل إن من يحلق لا يمكنه الحلق إلا شيئاً بعد شيء، ومع ذلك لا يجب عليه إلا فدية واحدة، أما إذا كفر عن الأول، لم يتحقق التتابع في الكفارات، فلا تتداخل، فهو سبب موجب للعقوبة، فتتكرر الكفارة بتكرره، بعد التطهير كما في الحد
(3)
.
(1)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 4/ 220، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير العمراني 4/ 226 - 227، والمجموع، للنووي 7/ 405.
(2)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 310، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 3/ 342، والإنصاف، للمرداوي 3/ 525 - 526.
(3)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 310، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 3/ 342.
القول الثاني:
يجب أن يكفر عن كل جماع، سواءً كفر عن الأول، أو لم يكفر، وهو القول الصحيح عند الشافعية
(1)
، ورواية عند الحنابلة
(2)
.
دليل القول الثاني:
أنه وطء في إحرام منعقد، لم يتحلل شيء منه، فتعلقت به الكفارة، كالوطء الأول؛ لأنه لا يخرج من الحج بالإفساد، بل لو ارتكب محظورا في الإحرام الفاسد، وجبت عليه الفدية، كالإحرام الصحيح
(3)
.
يمكن أن يُناقش:
يُسلم بأن من ارتكب محظورا في الإحرام الفاسد، وجبت عليه الفدية، لكن إذا لم يُكفر عن المحظور الأول، وهو من نفس الجنس، تداخلت الكفارات.
القول الثالث:
تجزئ كفارة واحدة عن الجميع، سواء كفر عن الجماع الأول، أو لم يكفر، وهذا ما ذهب إليه المالكية
(4)
.
دليل القول الثالث:
كل وطء لم يتعلق به فساد الحج، لم تجب فيه الكفارة، كالوطء على وجه الرفض للحج، والقطع له
(5)
.
(1)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 4/ 220، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير العمراني 4/ 226 - 227، والمجموع، للنووي 7/ 405.
(2)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 310، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 3/ 342، والإنصاف، للمرداوي 3/ 525 - 526.
(3)
ينظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير العمراني 4/ 227.
(4)
ينظر: عيون المسائل، للقاضي عبد الوهاب ص: 271، والإشراف على نكت مسائل الخلاف، للقاضي عبدالوهاب 1/ 488، والكافي، لابن عبدالبر 1/ 399.
(5)
ينظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف، للقاضي عبدالوهاب 1/ 489.
يمكن أن يناقش:
لا يُسلم بصحة قياس وطء التحلل، على الوطء الثاني بعد فساد الحج، فوطء التحلل يخرج به من الحج، والوطء بعد فساد الحج لا يخرج به من الحج.
القول الرابع:
إن تعدد المجلس وجب أن يكفر عن كل جماع، وإن اتحد المجلس كفر كفارة واحدة، وهذا ما ذهب إليه الحنفية
(1)
.
دليل القول الرابع:
أن الكفارة تجب بالجناية على الإحرام، وقد تعددت الجناية فيتعدد الحكم -وهذا وهو الأصل- إلا إذا قام دليل يوجب جعل الجنايات المتعددة، حقيقة متحدة حكما -وهو اتحاد المجلس-؛ فأسباب الوجوب إذا اجتمعت في مجلس واحد، من جنس واحد، يُكتفى بكفارة واحدة؛ لأن المجلس الواحد يجمع الأفعال المتفرقة، كما يجمع الأقوال المتفرقة، كإيلاجات في جماع واحد، لا توجب إلا كفارة واحدة، وإن كان كل إيلاجة لو انفردت أوجبت الكفارة
(2)
.
نوقش:
التحديد بعدم التكفير أولى من التحديد بالمجلس الواحد؛ طردا لاعتبار الشرع وجود التكفير من عدمه، كما في الحد، والتكفير في اليمين، والظهار، وغيرها ..
(3)
.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بأن من كفر عن الجماع الأول، وجب أن يكفر كفارة ثانية عن الجماع الثاني، ومن لم يكفر عن الجماع الأول، كفر كفارة واحدة عن الجماعين؛ لوجاهة ما استدلوا به، ولورود المناقشة على استدلالات الأقوال الأخرى.
(1)
ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني 2/ 217، والمحيط البرهاني، لابن مازه 2/ 448 - 449، ودرر الحكام، لملا خسرو 1/ 246.
(2)
ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني 2/ 218.
(3)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 310.