الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس: أثر لمس الزوجة في نقض الوضوء
.
تحرير محل النزاع في المسألة:
أولا: اتفق الفقهاء على أن الملامسة بين الزوجين من غير شهوة بحائل لا تنقض الوضوء
(1)
.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
الدليل الأول:
أن اللمس بحائل ليس بمس للمرأة حقيقة، وإنما هو مسٌ للثياب، ومجرد الشهوة لا توجب الوضوء
(2)
.
الدليل الثاني:
أن مظنة الشهوة منتفية إذا كان اللمس بحائل
(3)
.
ثانيا: اختلف الفقهاء في اللمس من غير شهوة بلا حائل، على قولين:
القول الأول:
مجرد اللمس لا ينقض الوضوء، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من: الحنفية
(4)
، والمالكية
(5)
، والمذهب عند الحنابلة
(6)
.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش، فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه، وهو في المسجد، وهما منصوبتان، وهو يقول:
(1)
ينظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص 1/ 379 ، والتجريد، للقدوري 1/ 171، والبناية، للعيني 1/ 306، ، وعيون الأدلة، لابن القصار 1/ 505 ، والكافي، لابن عبدالبر 1/ 148، وحاشية الدسوقي 1/ 120، والحاوي الكبير، للماوردي 1/ 183، وأسنى المطالب، للسنيكي 1/ 57، والمنهاج القويم، لابن حجر 1/ 37، والمغني، لابن قدامة 1/ 141، والمبدع، لابن مفلح 1/ 140، وشرح منتهى الإرادات، للبهوتي 1/ 73.
(2)
ينظر: المبدع، لابن مفلح 1/ 140، وشرح منتهى الإرادات، للبهوتي 1/ 73.
(3)
ينظر: أسنى المطالب، للسنيكي 1/ 57.
(4)
ينظر: التجريد، للقدوري 1/ 171، والبناية، للعيني 1/ 306.
(5)
ينظر: عيون الأدلة، لابن القصار 1/ 505، وحاشية الدسوقي 1/ 119.
(6)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 141، والمبدع، لابن مفلح 1/ 139.
(اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)
(1)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
لو كان لمس المرأة ناقضاً للوضوء على الإطلاق، لانفتل صلى الله عليه وسلم من صلاته؛ ليجدد الوضوء، لكن لما مضى صلى الله عليه وسلم في صلاته، دل على أن الوضوء لا ينتقض بمس المرأة.
نوقش وجه الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان داعيا في غير الصلاة، وذلك يجوز للمحدث، وليس من شرط الدعاء ألا يكون إلا في الصلاة
(2)
.
وأجيب عنه:
يرد هذا الاحتمال ما جاء في رواية أخرى لحديث عائشة رضي الله عنها: (فوقعت يدي على قدميه، وهو ساجد)
(3)
.
الوجه الثاني:
يُحتمل أن يد عائشة رضي الله عنها وقعت على النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حائل
(4)
.
وأجيب عنه:
هذا احتمال بعيد لا سيما مع ما كان عليه حال النبي صلى الله عليه وسلم من الفقر؛ فيبعد أن يكون واضعا في بيته حائلا على قدميه، كما أن الأصل المس بلا حائل، فلا ينتقل عنه إلا بدليل.
الدليل الثاني:
حديث عائشة رضي الله عنها، أنها قالت:(كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجلاي، في قبلته فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما)
(5)
.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود، (486) 1/ 352.
(2)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 187.
(3)
أخرجه الترمذي في سننه، أبواب: الدعوات، باب:(عام)(3493) 5/ 524 ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 7/ 493.
(4)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 187.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الصلاة، باب: الصلاة على الفراش (283) 1/ 86 ، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الصلاة، باب: الاعتراض بين يدي المصلي (512) 1/ 367.
وجه الاستدلال بالحديث:
لو كان لمس المرأة ناقضا للوضوء، لما فعله صلى الله عليه وسلم ، وهو يصلي.
نوقش وجه الاستدلال بالحديث:
أن لمسه صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها ربما كان من وراء حائل
(1)
.
ويمكن أن يجاب عن المناقشة:
أن احتمال لمسها من وراء حائل، احتمال بعيد خصوصا في نوم المرأة على فراشها، وبالنظر أيضا إلى ما كان عليه حاله صلى الله عليه وسلم من قلة متاع الحياة الدنيا.
الدليل الثالث:
أن وجوب العبادات من الشرع، ولم يرد بهذا شرع مع كثرة البلوى به، فعلمنا أن الأصل براءة الذمة منه
(2)
.
الدليل الرابع:
أن اللمس ليس بحدث في نفسه، وإنما نقض؛ لأنه يفضي إلى خروج المذي أو المني، فاعتبرت الحالة التي تفضي إلى الحدث فيها، وهي حالة الشهوة، أما اللمس من غير شهوة، فلا يفضي إلى شيء ينقض
(3)
.
القول الثاني:
ينقض الوضوء، وهو مذهب الشافعية
(4)
، ورواية عن الإمام أحمد
(5)
.
دليل القول الثاني:
(6)
.
(1)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 187.
(2)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 142.
(3)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 142.
(4)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 183، والمنهاج القويم، لابن حجر 1/ 37.
(5)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 142، والمبدع، لابن مفلح 1/ 140.
(6)
المائدة من الآية: 6.
وجه الاستدلال بالآية الكريمة:
أن المراد بالملامسة الجس باليد فما فوقه؛ إذ حقيقة الملامسة التقاء البشرتين، والحكم المعلق بالاسم يجب أن يكون إطلاقه محمولا على حقيقته دون مجازه
(1)
.
نوقش وجه الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول:
أن المراد في هذه الآية الجماع؛ لأنه ذكره بلفظ المفاعلة، والمفاعلة لا تكون من أقل من اثنين
(2)
.
وأجيب:
كذلك صورة المسيس باليد تكون بين اثنين، كما أن الآية قد قُرئت: أو لمستم -بالقصر-
(3)
، وذلك يتناول مجرد المس باليد
(4)
.
الوجه الثاني:
يُسلم أن اللمس حقيقةٌ في التقاء البشرتين، لكن تخصيصه بلمس النساء أفاد المعنى المقصود من لمسهن، وهو لمس التلذذ، والشهوة
(5)
.
الترجيح:
يترجح -والله أعلم- القول الأول القائل؛ بعدم النقض من مجرد اللمس بغير شهوة؛ لصحة، وصراحة الأحاديث التي استدلوا بها، ولورود المناقشة على استدلال القول الثاني.
(1)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 184.
(2)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 142.
(3)
ينظر: شرح طيبة النشر، لابن الجزري 1/ 215.
(4)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 184.
(5)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة) ، لابن تيمية 1/ 316.