الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: الإكراه على الجماع في نهار رمضان
.
اختلف الفقهاء في حكم الإكراه على الجماع في نهار رمضان، على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
من أكره على الجماع في نهار رمضان، صومه صحيح، ولا يلزمه القضاء، وهذا ما ذهب إليه الشافعية
(1)
، ووجه عند الحنابلة
(2)
.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
عموم النصوص الدالة على عدم مؤاخذة المكره بأفعاله، وأنها لغو لا يترتب عليها شيء، ومنها: قوله -تعالى-: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُور رَّحِيم}
(3)
فلا تحد من أكرهت على الزنا، وكذلك قوله -تعالى-:{لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغوِ فِي أَيمَانِكُم وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَت قُلُوبُكُم وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيم}
(4)
فجعل سبحانه يمين الإكراه لغو لا يترتب عليها شيء؛ إذ يمين الكُره ليس من كسب القلب، وإذا كان الأمر كذلك فما الذي يخرج إكراه الصائم على الجماع عن نسق هذه الأحكام؟
الدليل الثاني:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه قيء، وهو صائم، فليس عليه قضاء، وإن استقاء فليقض)
(5)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
دل الحديث بمفهومه على أن كل ما حصل بغير اختيار الصائم، لم يجب به القضاء
(6)
.
(1)
ينظر: فتح الوهاب، للسنيكي 1/ 144، وتحفة المحتاج، لابن حجر 3/ 398، وحاشية الجمل 2/ 345.
(2)
ينظر: الفروع، لابن مفلح 5/ 42، والإنصاف، للمرداوي 3/ 312.
(3)
النور من الآية: 33.
(4)
البقرة من الآية: 225.
(5)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: الصوم، باب: الصائم يستقيء عمدا 2/ 310 (2380) ، والترمذي في سننه، أبواب: الصوم، باب: ما جاء فيمن استقاء عمدا 3/ 89 (720) ، وابن ماجه في سننه، كتاب: الصيام، باب: ما جاء في الصائم يقيء 1/ 536 (1676) ، وصححه الألباني في إرواء الغليل 4/ 65.
(6)
ينظر: المجموع، للنووي 6/ 323.
الدليل الثالث:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(إذا نسي فأكل وشرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)
(1)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أضاف أكل الناسي إلى الله تعالى، وأسقط به القضاء، فدل على أن كل ما حصل بغير فعل الصائم لا يوجب القضاء، ومن جملة ذلك الجماع
(2)
.
نوقش من وجهين:
الوجه الأول:
الإكراه لا يغلب وجوده، وعذر النسيان غالب.
يمكن أن يجاب:
الغلبة وعدمها، ليست مناط إفساد الصوم، وإنما النظر إلى حصول المفطِّر بغير اختيار الصائم.
الوجه الثاني:
النسيان من قبل من له الحق، والحق لله تعالى، والإكراه من قبل غير من له الحق، فإذا كان كذلك، لم يصح أن يجعلا على السواء
(3)
.
يمكن أن يجاب:
يسلم أن النسيان يفارق الإكراه، بكون النسيان من قبل من له الحق، والإكراه من قبل غير من له الحق، إلا أنهما جميعا يصدق عليهما أنهما ليسا من قبل المكلف.
الدليل الرابع:
حديث ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(إن الله وضع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه)
(4)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
الوضع يشمل وضع الإثم، وما يترتب على الإثم من إفساد، أو كفارة.
(1)
سبق تخريجه ص: 202.
(2)
ينظر: المجموع، للنووي 6/ 323.
(3)
ينظر: البناية، للعيني 4/ 38.
(4)
سبق تخريجه ص: 88.
القول الثاني:
يجب على من أكره على الجماع في نهار رمضان القضاء فقط، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من: الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، ورواية عند الحنابلة
(3)
.
دليل القول الثاني:
الوطء يفسد الصوم فأفسده عن كل حال
(4)
، والكفارة إما أن تكون عقوبة، أو ماحية للذنب، ولا حاجة إليها مع الإكراه، لعدم الإثم مع الإكراه
(5)
.
يمكن أن يناقش:
لا يسلم بأن الوطء يفسد الصوم على كل حال، بل إفساد الجماع للصوم، تقيده النصوص الدالة على عدم مؤاخذة المكره بأفعاله؛ ومنها: قوله -تعالى-: {مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنُّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالكُفرِ صَدرا}
(6)
، فإذا كان التلفظ بكلمة الكفر كرها لا يفسد الإيمان، فالجماع كرها أولى ألا يفسد شيئا من شعب الإيمان، وهو الصوم.
القول الثالث:
إذا أكره الرجل على الجماع في نهار رمضان وجب عليه القضاء، والكفارة، وإذا أكرهت المرأة عليها القضاء فقط، وهو المذهب عند الحنابلة
(7)
.
دليل القول الثالث:
الإكراه على الوطء لا يمكن تصوره من الرجل؛ لأنه لا يطأ حتى ينتشر، ولا ينتشر إلا عن شهوة، ورغبة، فكان كغير المكره
(8)
، بخلاف المرأة فيمكن تصور إكراهها على الجماع.
(1)
ينظر: المبسوط، للشيباني 2/ 244، والمبسوط، للسرخسي 3/ 98، والبناية، للعيني 4/ 37.
(2)
ينظر: المدونة، للإمام مالك 1/ 278، والذخيرة، للقرافي 2/ 514، والقوانين الفقهية، لابن جزي ص:83.
(3)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 138، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 3/ 58 - 59، والإنصاف، للمرداوي 3/ 312 - 313.
(4)
ينظر: شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 1/ 484.
(5)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 138.
(6)
النحل من الآية: 106
(7)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 138، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 3/ 58 - 59، والإنصاف، للمرداوي 3/ 312 - 313.
(8)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 138.
نوقش: الانتشار قد يكون بالطبع، فلا يكون دليلا على الاختيار
(1)
.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بعدم فساد صوم المكره على الجماع؛ لوجاهة ما استدلوا به، ولورود المناقشة على استدلالات الأقوال الأخرى.
(1)
ينظر: الذخيرة، للقرافي 2/ 515.