الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
37 - بَابٌ: لِيُبَلِّغِ العِلْمَ الشَّاهِدُ الغَائِبَ
.
قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
(باب: ليبلغ العلم الشاهد الغائب) بكسر غين يبلغ لالتقاء الساكنين، وبفتحها بالخفة وبنصب العلم مفعولًا ثانيًا ليبلغ، وبرفع الشاهد فاعلًا له، وبنصب الغائب مفعولًا أولًا ليبلغ، ولفظ:(العلم) ساقط من نسخة.
(قاله: ابن عباس) علقه هنا ووصله في الحج بدون لفظ: العلم (1).
104 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ هُوَ ابْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ: - وَهُوَ يَبْعَثُ البُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ - ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ، أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الغَدَ مِنْ يَوْمِ الفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ: حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا، فَقُولُوا: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ " فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ مَا قَالَ عَمْرٌو قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا وَلَا فَارًّا بِدَمٍ وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ.
[1832، 4295 - مسلم 1354 - فتح: 1/ 197]
(قال: حدثني الليث) في نسخة: "قال: حدثنا الليث"، (سعيد) وفي نسخة:"سعيد بن أبي سعيد" وفي أخرى "سعيد، هو ابن أبي سعيد". (عن أبي شريح) بضم المعجمة، وبحاءٍ مهملةٍ. اسمه: خُويلدٌ
(1) سيأتي برقم (1739) كتاب: الحج، باب: الخطبة أيام منى.
ابنُ عمرِ بنِ صخرٍ الخزاعيُّ. (لعمرو بن سعيد) أي: ابن العاصِ بنِ أميةَ القرشيُّ، قال شيخنُا وغيرُه: وليس بصحابيّ ولا تابعيّ (1).
(يبعث البعوث) بضمِّ الموحدة: جمع بعث بمعنى: مبعوث، أي: كان عمرو يُرسلُ الجيوشَ إلى مكةَ لقتالِ عبد الله بنِ الزبيرِ؛ لكونه امتنع من مبايعةِ يزيد بنِ معاويةَ، وكان عمرو واليًا بالمدينة الشريفةِ.
(ائذن لي أَيُّها الأمير أحدثك) بالجزمِ جوابًا للأمرِ. (قولًا) مفعولٌ ثانٍ لأحدثك. (قام به النبيُّ) في نسخةٍ: "قام به رسولُ الله". (الغد) بالنصبِ على الظرفيةِ أي: غد يومِ الفتحِ. (سمعته أذناي
…
إلخ) فيه: تأكيدٌ ومبالغةٌ في تحقيق ما قبله، و (أذناي) أصله: أذنان لي وسقطت النونُ واللام؛ لإضافته لياء المتكلم، وهذه الجملةُ وجملةُ قام به النبيُّ صفتان لقولًا. والمعنى: أنه لم يكن اعتماده على الصوت فقط، بل عليه مع التثبت والمشاهدة. والتاءُ في سمعته وفي أبصرته للتأنيث، لأنَّ كل ما ثُنِّيَ في الإنسانِ من الأعضاءِ، كاليدِ، والعين والأذن فهو مؤنث؛ بخلافِ الأنف والقلب ونحوهما.
(حين) ظرفٌ لقام وما بعده (حمد الله وأثنى عليه) بيان لقوله: (تكلَّم به) أي: بالقولِ، والعطفُ في ذلك من عطف العامِ على الخاصّ. (حرَّمها الله) أي: يوم خلق السمواتِ والأرضَ من غير سبب يعزى لأحدٍ، وهذا لا ينافيه حديثُ: "أن إبراهيم عليه السلام حرَّم
(1)"فتح الباري" 1/ 198.
(2)
سيأتي برقم (2129) كتاب: البيوع، باب: بركة صاع النبي صلى الله عليه وسلم ومده، وأخرجه مسلم برقم (1360) كتاب: الحج، باب: فضل المدينة، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة، وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها، وبيان حدود حرمها.
مكة" (1) لأنَّ المرادَ: أنه بلغ حرمَ الله، وأظهره بعد أنْ رفعَ البيتَ إلى السماءِ وقت الطوفانِ، واندرست حرمتها، وإلا فهي محرمةٌ من يومِ خلقِ الله السموات والأرض.
(يؤمنُ بالله واليومِ الاخر) إشارة إلى المبْدَأ والمُعَاد، وكل ما يجب الإيمانُ به لا يخرجَ عنهما، وقيد بالمؤمن؛ لأنه الذي ينقادُ للأحكام وينزجرُ، وإلَّا فالكافر أيضًا مخاطبٌ بفروعِ الشريعةِ.
(أنْ يسفك) بكسرِ الفاءِ أشهرُ من ضمِّها، والسفكُ: صبُّ الدماء، أشار بذلك إلى القتل (بها) في نسخةٍ:"فيها". (ولا يعضد) بكسرِ الضادِ أشهرُ من ضمها، وزيدت لا للتوكيدِ (شجرة) أي: ذات ساقٍ، سواء أنبتها الآدميُّ أمْ لا.
(فإن أحدٌ ترخَّص) برفعِ (أحد) بفعلٍ مقدر يفسره ما بعده، والترخُّص من الرُّخصةِ، وهي ما غيِّر من الحكمِ تخفيفًا لعذرِ مع قيامِ الموجب الأولِ لولا العذر. (لِقتال رسولِ الله) تمسَّك به من قال: فتحت مكةُ عنوةً، جوابه عند القائلِ: فتحتْ صُلحًا: أن المعنى ترخَّص بحل القتالِ؛ لأنَّه أحل له ساعة، ولا يلزم من حل الشيءِ وقوعه.
نعم هو صلى الله عليه وسلم دخلها متأهبًا للقتال لو احتاج إليه، ولا يعرف أنه صلى الله عليه وسلم نصب لهم حربًا فطعن برمحٍ، أو رمى بسهمٍ، أو ضرب بسيفٍ، أو نحو ذلك. وأما قَتْلُه من استحق القتلَ خارج الحرمِ في الحرمِ، فليس من معنى القتالِ في شيءٍ.
(وإنما أَذن لي) بفتحِ الهمزةِ وضمِّها. وليس عدولُه عن قوله له التفاتًا؛ لأنَّ السياق في (لقتال رسولِ الله) حكايةُ قولِ المترخِّص. وسياقُ هذا هو: تضمينه جواب المترخِّص، وقضيةُ الالتفاتِ تقتضي اتحادَ السياقِ.
(1) سيأتي برقم (2129) كتاب: البيوع، باب: بركة صاع النبي صلى الله عليه وسلم ومده، وأخرجه مسلم برقم (1360) كتاب: الحج، باب: فضل المدينة، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة، وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها، وبيان حدود حرمها.
(ساعة) أي: في ساعة من نهارٍ، وهي من طلوعِ الشمسِ إلى العصرِ. وسيأتي ماله بما ذكر تعلق في بابِ: كتابة العلمِ. (ثم عادتْ حرمتُها اليوم) أي: تحريمُها المقابلُ للإباحةِ المفهومةِ من الإذن. (في اليوم) أي: في الزمنِ الحاضرِ، أو في اليوم المعهود. وهو يوم الفتحِ. (كحرمتها بالأمس) أي: الذي قبل يوم الفتحِ.
(وليبلِّغ) بسكون اللامِ وكسرِها. (ما قال عمرو) أي: في جوابِك (أنا أعلمُ منك) أي: بمعنى الحديث. والجملةُ معترضةٌ بين القولِ ومقولهِ أعني (لا تعيذُ) وهو خبرُ مبتدإٍ محذوفٍ أي: مكة. وهو: بفوقيةٍ وذالٍ معجمةٍ أي: لا تعصمْ. وفي نسخة: "بتحتية"، وفي أخرى:"إنَّ الحرمَ لا يعيذُ" فضمير تعيذ في الأولى لمكةَ. وفي الثانيةِ للحرمِ، كالثالثةِ.
(عاصيًا) أي: بظلمٍ أو نحوه. (ولا فارًّا بدمه) أي: ملتجئًا إلى الحرمِ ملتبسًا بدمِ غير حق خوفًا من القصاصِ. (ولا فارًّا بخربة) أي: بسببِها وهي بفتح المعجمةِ، وسكون الراءِ، وبموحدة: السرقة، وأصلها: سرقة الإبلِ، وفي نسخةٍ:"بخربة" بضمِّ الخاءِ يعني: السرقةَ، فزاد فيها التفسيرَ، وفي نسخةٍ:"بخربة" بضم الخاءِ أي: الفسادَ، وفي أخرى:"بخربة" بكسر المعجمةِ، وسكون الراءِ، وفي أخرى: بجيم مكسورةٍ، وياء تحتية، وفي أخرى:"بجنايةٍ وبلية". وقد حاد عمروُ عن الجواب، وأتى بكلامٍ ظاهره الحقُّ وهو (لا تعيذ
…
إلخ) لكنَّه أراد به الباطلَ. فإن أبا شريح الصحابي أنكر عليه بعثَ الخيلِ إلى مكةَ واستباحة حرمتها بنصبِ الحربِ عليها، فأجابه: بأنه لا يمتنع من إقامةِ القصاصِ، وهو الصحيحُ.
إلَّا أن ابن الزبير لم يرتكب أمرًا يجب عليه فيه شيءُ، بل هو
أولى بالخلافةِ من يزيد بن عبد الملك، لأنه بويع قبلَه، وهو صحابيٌّ.
وفي الحديثِ: دعايةُ الرفقِ في الإنكار، كما أستأذن عمروُ أبا شريح، وتقديمُ الحمد على المقصود، وشرفُ مكةَ، وإثباتُ القيامةِ، واختصاصُ الرسولِ بخصائص، وجواز النسخ، إذ نسختْ الإباحةُ للرسولِ بالحرمةِ، وجوازُ المجادلة، ومخالفةُ التابعيِّ للصحابيِّ بالاجتهادِ.
105 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، ذُكِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ - قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ - وَأَعْرَاضَكُمْ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغَائِبَ". وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَانَ ذَلِكَ "أَلا هَلْ بَلَّغْتُ" مَرَّتَيْنِ.
[انظر: 67 - مسلم 1679 - فتح: 1/ 199]
(عبد الله بن عبد الوهاب) هو: ابن محمد الحجبيُّ: بفتح المهملةِ والجيم، وبالموحدةِ. (حمَّاد) أي: ابن زيدِ البصريُّ. (عن أيوب) أي: السختيانيّ. (عن محمد) هو: ابن سيرين. (عن أبي بكرة) اسمُه: عبدُ الرحمن. (ذكر النبيّ) بضم الذالِ، وكسر الكافِ. وفي نسخةِ: بفتحها فالنبيُّ مرفوعٌ على الأولِ، ومنصوبٌ على الثاني. (قال) في نسخة:"فقال" وهو بدل اشتمال من النَّبي بتأويله بالمصدر.
(فإن دماءكم) الفاءُ: عاطفةٌ؛ لمدخولها على مثل مقولِ القولِ السابق عليها في باب: (رُبَّ مبلِّغٍ) واقتصر هنا على المعطوفِ؛ لأنه المقصود من بيانِ التبليغ. (قال محمد) أي: ابن سيرين. (وأحسبه) أي: وأظن ابن أبي بكرةَ.
(وأعراضكم) بالنصبِ عطفٌ على (دماءكم) والجملةُ بينهما معترضةٌ، والمراد بالعرضِ: الحسبُ، وقيل: الأخلاقُ النفسانيةِ، وظن