الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الحديث: وعظ الرئيس والمرءوسَ، وتحريضُه على الطاعةِ، ومراجعةِ المتعلِّم العالمَ فيما قاله إذا لمْ يظهر له معناه، وجواز إطلاق الكفرِ على كفرِ النعمة وجحد الحقِّ، وأنَّه كبيرةٌ عند مَنْ يعرفها بما تُوُعِّدَ عليه، وأنَّ المعاصي تنقص الإيمانَ، ولا تخرج إلى الكفرِ الموجب للخلودِ في النارِ، وأنَّ النارَ مخلوقةٌ الآن، وأنَّ الإيمانَ يزيد بشكرِ نعمةِ العشير فثبت أنَّ الأعمالَ مِن الإيمانِ، ووجه مناسبة هذا الحديثِ للأبواب قبلَه المتعلقُة بالإيمان: أنَّ الكفَر ضدُّ الإيمانِ فالمناسبة بينهما من جهةِ التضادِ.
22 - باب المَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ
وَلَا يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بِارْتِكَابِهَا إلا بِالشِّرْكِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ" وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
(باب) ساقطٌ من نسخةٍ.
(المعاصي من أمرِ الجاهلية) مبتدأٌ وخبرٌ، والمعاصي: جمعُ معصيةٍ، وهي ترك واجب، أو فعلُ حرامٍ كبيرةً كانت أو صغيرة، والجاهلية: زمانُ الفترةِ قبلَ الإسلامِ، وسُمي بها لكثرةِ الجهالةِ فيه. (ولا يكفر) بفتح التحتية، وسكون الكافِ، وبضمها وفتح الكاف وتشديد الفاءِ المفتوحة (صاحبها بارتكابها) أي: خلافًا لقولِ الخوارجِ: إنَّه بالكبيرة يكفر، ولقولِ المعتزلةِ: إنَّه بين هاتين منزلتين لا مؤمنٍ ولا كافر، والمرادُ بارتكابها: فعلُها لا اعتقادُ حلِّها، إذ اعتقادُ ما هو معلومٌ مِن الدين بالضرورة كفرٌ، وجملةُ:(ولا يكفر) عطفٌ على الجملةِ قبلها فهي داخلَةٌ في الترجمةِ.
(جاهلية) أي: شيءٌ من أخلاقِ الجاهلية (وقول الله تعالى) في نسخةٍ: "وقال الله" وفي أخرى بدل تعالى: "عز وجل" في استدلاله بالحديث والآيةِ على شِقَّي الترجمةِ: لفٌّ ونشرٌ مرتبٌ. ووجه الاستدلال بنفي الغفران على الكفرِ: كونُه يستلزمه عندنا.
30 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ، عَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ".
[2545، 6050 - مسلم: 1661 - فتح: 1/ 84]
(عن واصل الأحدب) هو ابن حيان، بفتح المهملة وتشديد التحتية، وفي نسخة:"عن واصل" بدون ذكر الأحدب، وفي أخرى:"عن واصل هو الأحدب". (عن المعرور) بعين وراءين مهملات، وفي نسخة:"عن المعرور بن سويد". (أبا ذر) اسمه: جندب بضم الجيم والدال المهملة، وحكي فتح الدال ابن جنادة بضم الجيم الغفاري.
(الربذة) بفتح الموحدة، والذال المعجمة: منزل لحاج العراق على ثلاث مراحل من المدينة.
(حُلَّة) بضم المهملة: إزار ورداء ولا يسمَّى حلة حتى يكون ثوبين وسميا بذلك؛ لأنَّ كلًّا منهما يحلُّ على الآخر، فسألته عن ذلك، أي: عن سبب تساويهما في لبس الحلة، وسبب السؤال؛ أن العادة جارية بأن تكون ثيابُ الغلام دون ثياب سيِّدهِ.
(ساببت) بموحدتين أي: شاتمتُ، أو شتمتُ. (رجلًا) هو بلال بن حمامة المؤذن. (فعيرته بأمه) أي: نسبته إلى العار بها، وفي رواية:
فقلت له يا ابن السوداء، وكلٌّ منهما بمعنى: ساببته، فهو تفسير له؛ ولهذا عطف عليه بالفاء التفسيرية، كقوله تعالى:{فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54] وفي رواية: أنه لما شكاه بلالٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال له: "شتمت بلالًا وعيرته بسواد أصلًا قال: نعم، قال: "أحسب أنَّهُ بقيَ فيك شيءٌ من كبر الجاهلية" فألقى أبو ذر خدَّه على التراب ثم قال: لا أرفع خدِّي حتى يطأَ عليه بلالٌ بقدمه (1).
(أعيرته بأمه) الهمزة فيه: للإنكار التوبيخي (إخوانكم) أي: في الإسلام، أو من جهة أولاد آدم. (خولكم) بفتح المعجمة والواو: جمع خايل، وقد يطلق الخولُ على الواحد، ومعنى الخول: الحشم (2)، من التخويل وهو التمليك، وقيل الخول: الخدم، وسمي به؛ لأنهم يتخولون الأمور، أي: يصلحونها، وإخوانكم خوالكم: برفعهما، الأول بأنه خبر مبتدإ محذوف بدليل رواية: هم إخوانكم (3)، والثاني بأنه نعت لإخوانكم أو خبر مبتدإٍ محذوف، وبنصبهما، الأول بمحذوف أي: احفظوا إخوانكم، والثاني: بأنه نعت له، قيل القصد: الإخبار عن الخول بالأخوة، لا العكس، وأجيب: بأنه عكس للاهتمام بشأن
(1)"شعب الإيمان" 4/ 288 (5135) فصل: في حفظ اللسان عن الفخر بالآباء، باب: في حفظ اللسان.
(2)
والحشم محركة للواحد والجمع: وهو العيال والقرابة أيضًا، وأحشامه خاصَّته الذين يغضبن له من أهل وعبيد، أو جيرة. انظر مادة (حشم) في "القاموس" ص 1094.
(3)
سيأتي برقم (6050) كتاب: الأدب، باب: ما ينهى من السباب واللعن ومسلم برقم (1661) كتاب: الإيمان، باب: إطعام المملوك مما يأكل وإلباسه مما يلبس، ولا يكلفه ما يغلبه.
الإخوان، أو لحصر الخول في الإخوان؛ لأن تقديم الخبر يفيد الحصر أي: ليس إلا إخوانًا.
(جعلهم الله تحت أيديكم) مجاز عن القدرة، أو الملك. أي: وأنتم مالكون لهم، وقادرون عليهم. (فليطعمه) بضم التحتية. (مما يأكل) لم يقل: مما يطعم؛ لدفع توهم أن المراد بالطعم الذوق، وليس مرادًا قطعًا. (وليلبسهم) بضم التحتية. (مما يلبس) بفتحها، والأمر فيه وفيما قبله للاستحباب عند الأكثر. (ولا تكلفوهم) نهي تحريم. (ما يغلبهم) أي: ما تعجز قدرتهم عنه لعظمه، أو صعوبته. (فإن كلفتموهم) أي: ما يغلبهم. (فأعينوهم) أي: بغيرهم.
وفي الحديث: النهيُ عن سبِّ العبيد، ومن في معناهم، وتعييرهم بأصولهم، والحث على الإحسان إليهم، والرفق بهم، وبمن في معناهم: من أجير، وخادم، ودابة. وجواز إطلاق الأخ على الرقيق، والمحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
بَابُ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] فَسَمَّاهُمُ المُؤْمِنِينَ.
(باب): ساقط من نسخةٍ. {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] جمع في اقتتلوا رعاية لآحاد الطائفتين، وثنَّى في بينهما رعاية للفظ الطائفة. (فسماهم مؤمنين) أي: لم يخرج صاحب الكبيرة عن كونه مؤمنًا.
31 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ المُبَارَكِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، وَيُونُسُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ، قَالَ: ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ"، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المَقْتُولِ؟ قَالَ:"إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ"[6875، 7083 - مسلم: 2888 - فتح: 1/ 84]
(عبد الرحمن بن المبارك) أي: ابن عبد الله العيشيُّ، بفتح المهملة، وسكون التحتية، وبالشين المعجمة. (حماد بن زيد) أي: ابن درهم الأزديُّ. (ويونس) أي: ابن عبيد بن دينار. (هذا الرجل) هو عليُّ بن أبي طالب، وقيل: عثمان رضي الله عنه.
(أبو بكرة) هو نُفَيْعٌ بالتصغير ابن الحارث، (قلت) في نسخةٍ:"فقلت". (أنصر) أي: أريدُ مكانَا أنصرُ فيه هذا الرجلُ. (فالقاتل والمقتول في النار) أي: يستحقانها، فلا يستلزم خلودهما فيها على ما زعمه المعتزلة، بل ولا دخولها لجواز العفو، ثم هذا حيث لا تأويل سائغ فإن كان كما في اجتهاد الصحابة، فلا يستحقانها، إذ القاتل والمقتول منهما إنما ارتكب ذلك عن اجتهاد، المصيبُ له أجران، والمخطئ له أجر.
(فقلت) في نسخة: "قلت". (هذا القاتلُ) أي: هذا حال القاتل في أنه يستحق النار. (فما بال المقتول؟) أي: كيف يستحقها وهو مظلوم؟ (كان حريصًا على قتل صاحبه) فيه: دليل على أنَّ من عزم على معصية بقلبه، ووطَّن نفسه عليها كان آتيًا بمعصيةٍ، فإن فعل ما عزم عليه كانت معصية ثانية، فلا ينافي ذلك خبر:"إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم"(1) وخبر: "إذا همَّ عبدي بسيئة
(1) سيأتي برقم (2528) كتاب: العتق، باب: الخطأ والنسيان في العتاقة، (5269) كتاب: الطلاق، باب: الطلاق في الإغلاق والكره، و (6664)