الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مطلقًا، [وقيل: بالجواز مطلقًا] (1) والصحيح: جوازه من العالمِ إذا كانَ ما تركه غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة، وقال الكرمانيُّ وغيره: والظاهر: أن وقوع ذلك هنا من الزهريِّ لا من البخاريِّ؛ لاختلافِ شيوخِ الإسنادين بالنسبة للبخاريّ.
ولعلَّ شيخه ابن أبي حمزة لم يذكر في الاستدلال على أن الإيمان إلا هذا القدر، وإنما يقع الخرم لاختلاف المقامات والسياقات، ففيما مرَّ بيانُ كيفية الوحيِّ يقتضي ذكرَ الكلِّ، ومقامُ الاستدلالِ يقتضي الاختصار (2).
39 - بَابُ فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ
(باب: فضلُ من استبرأ لدينه) بالهمز أي: طلبُ البراءةِ لأجلِ دينهِ من الذمِّ الشرعي.
52 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الحَلالُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ القَلْبُ".
[2051 - مسلم: 1599 - فتح: 1/ 126]
(أبو نعيم) بضم النون، اسمه: الفضلُ بن دُكين بضم المهملةِ،
(1) من (م).
(2)
"البُخاريّ بشرح الكرماني" 1/ 202.
وفتح الكاف. (زكريا) هو ابن أبي زائدة: خالدُ بن ميمونٍ الهمداني.
(عن عامر) أي: الشعبي.
(بيَّن) أي: ظاهرٌ بأدلته المعروفة. (مشبَّهات) بتشديد الموحَّدة المفتوحة، أو المكسورة أي: شُبهت بما لم يتبين حكمه على التعيين، أو شبهت أنفسها بالحلال [والحرام] (1) وفي نسخةٍ:"مشتبهات" بمثناة فوقية مفتوحة، وموحدة مكسورة أي: أكتسبت الشبهة من أمرين متعارضين. (لا يعلمها) أي: لا يعلم حكمها (كثير النَّاس) بل انفرد به العلماء، إمَّا بنصٍّ، أو قياسٍ، أو استصحاب، أو غيرها. فإذا تردد الشيءُ بين الحلِّ والحرمة، ولم يكن دليلٌ، اجتهد فيه المجتهد، وألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي، فإن لم يظهر له شيءٌ فهل يؤخذ فيه بالحل أو الحرمة أو يوقف؟ ثلاثة مذاهب أوجهها: الأخير؛ إذ الخلاف في ذلك، كالخلاف في الأشياء قبل ورود الشرع فيها، والأصحُّ: عدم الحكم بشيءٍ؛ لأنَّ التكليف عند أهل الحق لا يثبت إلا بالشرع.
(فمن اتقى) أي: احتزر، أو أحذر. (المشبهات) بتشديد الموحدة المفتوحة، أو المكسورة، وفي نسخةٍ: بمثناة فوقية بعد شينٍ ساكنة، وفي أخرى:"الشبهات" بضم الشينِ والموحدة. (استبرأ) أي: حصلَ البراعة لدينهِ من الدَّمِ الشرعيِّ، وصان عرضَه عن كلامِه، وفي نسخةٍ:"قد استبرأ". (لدينهِ وعرضه) الأول: متعلق بالخالق، والثاني: بالمخلوقِ، وفي نسخةٍ:"لعرضه ودينهِ". (في الشبهات) أي: التي أشبهتِ الحرامَ من وجهٍ، والحلالَ من آخرٍ. (كراعٍ) في نسخةٍ:"كراعي" بالياء، وهي خبرُ (مَنْ) إنْ جُعلتْ موصولة، وجوابهُا: إنْ
(1) من (م).
جُعلتْ شرطيةً [محذوف](1).
(الحِمَى) بكسر المهملة وفتح الميم: الموضعُ الذي حماهُ الإمامُ لأمرٍ، ومنع النَّاسَ منه فمن دخله عاقبه، ومن اجتنبه سلم. (يُوشك) بكسر الشينِ، وحُكي فتحُها. أي: يقربُ، وهو صفةٌ، أو استئنافٌ، أو خبرٌ (مَن)، أو جوابُها (يواقعه) أي: يقعُ فيها إذ من كثُر تعاطيهِ الشبهاتِ يصادفُ الحرامَ، وإنْ لم يتعمده فيأثمُ بذلك إذا قصر. (ألا) بالتخفيف: حرف تنبيه، يبتدأ بها، وتدل على صحة ما بعدها، وتكريرُها، كما هنا يدلُّ على تضخيم شأنِ مدخولها وعظمهِ، وذكرُ الواو في مدخولها ثابتٌ في الأربعة التي ذكرهَا وفي نسخةٍ: حذفُها من الثاني: إمَّا لكمالِ الانقطاعِ، والبُعدِ بين حِمى الملوكِ، وحِمى الله تعالى، أو لكمالِ الاتحاد بينهُما؛ لأنَّه لمَّا كان لكل ملكٍ حِمى كان لله تعالى حمى؛ لأنَّه ملكُ الملوكِ، والمناسبةُ بين الأولى والثانية: أن أصلَ الاتقاءِ، والوقوعِ: ما كان بالقلب؛ لأنَّه عمادُ الأمرِ، وملاكُه، والواوُ في الأربعةِ: معطوفةٌ على مقدرٍ أي: ألا إنَّ الأمرَ، كما مرَّ، و (إنَّ إلخ).
(محارمه) أي: المعاصي التي حرَّمها، كالزنا، والسرقةِ، وفي ما ذُكر: التمثيلُ والتشبيه للشاهدِ بالغائبِ، وشبه المكلَّف بالراعي، ونفسه بالأنعام، والمشبهاتِ بما حول الحمى، والمحارمُ بالحمى، وتناول المشبهات بالرتع حول الحمى ووجهُ التشبيه: حصولُ العقابِ بعدم الاحتراز عن ذلك، فكما أنَّ الراعي إذا جرَّه رعيُه حول الحمى إلى وقوعهِ في الحمى استحقَّ العقاب بسببِ ذلك. كذلك من أكثر من الشبهات، وتعرَّض لمقدماتها وقع في الحرام، فاستحق العقاب بسبب
(1) من (م).
ذلك، كما مرَّ.
(مضغة) أي: قطعةٌ من اللحم؛ لأنَّها تُمضغ في الفم؛ لصغرها، والمرادُ: تصغيرُ القلبِ بالنسبة إلى ما في الجسدِ مع أنَّ صلاحَه وفساده به. (إذا صلُحت) بفتح اللام أفصحُ من ضمها، وإذا قد تُستعمل للشكِّ كأن كما هنا؛ إذ الصلاحُ غيرُ متحققٍ بقرنيةِ ذكرِ مقابله. (القلب) سمي به؛ لسرعةِ تقلُّبه، أو لأنَّه خالصُ البدن، وخالصُ كلِّ شيءٍ: قلبُه، وهو محلُّ العقلِ، كما قال به جمهورُ المتكلمين لقوله تعالى:{لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف: 179] وخالف الحنفية والأطباءُ، فقالوا: إنَّه في الدِّماغِ، محتجين بأنَّه إذا فسد الدماغُ فسد العقلُ. ردَّ بأنَّه لا يلزم من فسادِ العقل بفسادِ الدماغ كونُه فيه، وغايتُهُ: أنَّ الله تعالى أجرى العادة بذلك، وقد أجمعَ العلماءُ على عظم موقع هذا الحديث، وإنه أحدُ الأحاديث الأربعةِ التي عليها مدارُ الإسلام المنظومة في قول بعضهم:
عمدةُ الدين عندنا كلماتٌ
…
مسنداتٌ من قولِ خير البريَّة
اتَّقي الشبهات وازهد ودعْ
…
ما ليس يعنيك واعملنَّ نيةً
وتقدَّمَ هذا في أوائل الكتاب عنْ أبي داودَ (1)، لكنَّه أبدلَ حديثَ الزهدِ بحيث لا يكون المؤمنُ مؤمنًا حتَّى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه.
فائدةٌ: قال حجةُ الإسلام الغزاليُّ: السلاطين في زماننا ظلمةٌ، قل ما يأخذون شيئًا على وجهه بحقه، فلا تحلُّ معاملتهم، ولا من يتعلقُ بهم حتَّى القضاة، ولا التجارة في الأسواق التي يعمرونها بغير حقٍّ. واستبراءُ الدينِ والورَع: اجتنابُ الربطِ، والمدارسِ، والقناطرِ التي أنشاؤها بالأموالِ التي لا يُعلم مالكُها.
(1) سلف تخريجه.