الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
2 -
كتاب الإيمان
1 - بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ
"
وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4]{وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: 76]{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17] وَقَوْلُهُ: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31] وَقَوْلُهُ: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة: 124] وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران: 173].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا زَادَهُمْ إلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] وَالحُبُّ فِي اللَّهِ وَالبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الإِيمَانِ " وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ: "إِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ، وَشَرَائِعَ، وَحُدُودًا، وَسُنَنًا، فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الإِيمَانَ، فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنْ أَمُتْ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ" وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: "وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ
قَلْبِي} [البقرة: 260]. وَقَالَ مُعَاذُ: "اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً" وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "اليَقِينُ الإِيمَانُ كُلُّهُ" وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا يَبْلُغُ العَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {شَرَعَ لَكُمْ} [الشورى: 13]: أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] سَبِيلًا وَسُنَّةً.
[فتح: 1/ 45](بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) كرَّرَها في أكثرِ النسخِ، في كلِّ كتابٍ وإن أغنى ذكرها أوَّل الكتاب؛ لزيادة الاعتناء بالتمسك بالسنة، في الابتداء بها في كلِّ أمرٍ ذي بالٍ.
(كتاب الإيمان) الكتابُ لغةً: الضم والجمع، يُقَالُ: كَتَبَ يَكْتُبُ كتَابًا وَكتَابَةً أي: جمع، وَعُرْفًا: اسمٌ لجملةِ مختصةٍ من العلمِ، مشتملةٍ غالبًا على أبواب وفصولٍ. والإيمانُ لغةً: التصديقُ، وشرعًا: تصديق النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما جَاء به عن ربِّه، بشرط تلفظ القادر بالشهادتين، ولما كان ذكر كيف كان بدء الوحي، كالمقدمة لكتابه لم يذكره بالكتاب، بل بالباب.
(وقولُ النبيِّ) بالرفع بالابتداءِ، أو بالجز عطفًا على الإيمان، وفي نسخةِ:"بابُ: قولِ النبيِّ"[وهو واضح](1)، وفي أخرى:"باب: الإيمان وقولِ النبيِّ".
(بُنِيَ الإسلامُ على خمسِ) تمامه كما يأتي: "شهادة أن لا إلله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان". وذكر بعض الحديث لغرض جائز، والإسلام لغة: الاستسلام
(1) من (م).
والانقياد، وشرعًا: تَلَفظُ القادر بالشهادتين، بشرط تصديق النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما مرَّ.
(وهو) أي: كلٌّ من الإيمان والإسلام عند البخاريِّ. (قول وفعل) أي: مع اعتقاد، ويمكن دخوله فيهما (1) وأما عِنْدَ غيرِ البخاريِّ، فهو ما قَدَّمْنَاه، وعليه فما هنا محمول على الإيمانِ الكاملِ، وفيه: ردُّ عَلَى المُرْجِئَةِ القائلين: بأنه قول بلا عمل، وفي نسخة: بدل (وفعل)"وعمل". (ويزيدُ وينقصُ) إمَّا باعتبار دخول القول والفعل فيه، أو باعتبار القوة والضعف، أو باعتبار الإجمال والتفصيل، أو باعتبار تعدد المؤمن به.
(قال الله تعالى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} إلى آخر ما ذَكَرَهُ من الآياتِ، وغيرها، يَدَلُّ على زيادةِ الإيمانِ. ونقصانُ ثبوتِها يثبتُ النقصَ المقابل لَهَا؛ لأَنَّ كلَّ قابلٍ للزيادةِ قابلٌ للنقصِ ضرورةً، ولا يَخْفَى أَنَّ ذكْرَ ذلِكَ في بابِ: زيادةِ الإيمان ونقصانِه أنسبُ منْ ذكِره هُنَا.
(والحبُّ في الله والبغضُ في الله مِن الإيمانِ) هو حديث رواه: البيهقيُّ بلفظ: "أوثقَ عُرى الإيمان: أن تحب في الله، وأن تبغض في الله"(2)، وأبو داود بلفظ:"من أحبَّ لله، وأبغضَ لله، ومنع لله، أو أعطى لله] (3)، فقد استكمل الإيمان"(4) ووجه الدلالة منه: أن الحب والبغض
(1) إما دخوله في القول: فباعتبار القول النفسيِّ، وإما دخوله في الفعل: فباعتبار أنه من أعمال القلب.
(2)
"شعب الإيمان" 1/ 36 (14) باب: الدليل على أن الطاعات كلها إيمان.
(3)
من (م).
(4)
"سنن أبي داود"(4681) كتاب: السنة، باب: الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه من حديث أبي أمامة. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
متفاوتان. و (في) في الحديث للسببية (1) أي: لسبب إطاعة الله ومعصيته، والجملة مع الجمل الآتية: عطف على جملة (قال الله تعالى).
(عَدي بن عَدي) بفتح العين المهملة، أبو فروة الكندي تابعيٌّ، وقيل: صحابيٌّ. (فرائضَ) أي: أعمالًا مفروضة. (وشرائعَ) أي: عقائد دينية. (وحدودًا) أي: منهيات. (وسُنَنًا) أي: مندوبات. (فإن أعش فَسَأُبَيِّنُهَا) أي: أُوَضِّحُهَا؛ ليفهَمهَا كلُّ أحدٍ، وليس في ذلك تأخير البيان عن وقت الحاجة لعلمه أنهم علموا مقاصدهم؛ لإعلامه لهم بها؛ ولاشتغاله عن التفصيل والإيضاح بما هو أهمُّ من ذلك.
(قال إبراهيم: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}) لم يورد هذه الآية مع الآيات السابقة؛ إشعارًا بالتفاوت؛ لأن دلالة تلك على المراد بالتصريح، وهذه باللازم، ووجه الشاهد فيها: أنه إن انضم عين اليقين كان أقوى من انفراد العلم. (اجلس) همزته للوصل (2). (نؤمن) جواب الأمر، ووجه الشاهد فيه: أنه كان مؤمنًا، فوجب حمله على الزيادة والتقوية للأدلة، والمقول له الأسودُ بن هلال.
(1) المعنى الأصلي للحرف (في) هو الدعاء أو الظرفية، حقيقة أو مجازًا، فالأول نحو:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} والثاني نحو: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ} . وجمهور البصريين على أن (في) لا تكون إلا للوعاء أو الظرفية. وذهب الكوفيون وبعض البصريين أن (في) تكون لمعانٍ أخر منها: الاستعلاء (بمعنى على) والسببية (التعليل)، وبمعنى الباء، وبمعنى (إلى)، وبمعنى (مِنْ) والمصاحبة (بمعنى مع).
وظاهر كلام المصنف أنه مع الكوفيين ومن تبعهم؛ بدليل أنه جعل (في) هنا للسببية.
(2)
لأنه أمْرٌ من فعل ثلاثي. ومثله: اضربْ من ضَرَبَ، واسمعْ من سَمِعَ.
(وقال ابن مسعود: اليقين: الإيمان كلُّه) هذا التعليق من طرفٍ من أثرٍ وصله الطبرانيُّ بسندٍ صحيح، وبقيته:"الصبر: نصف الإيمان"(1). ورواه البيهقي مرفوعًا (2)، قال شيخنا حافظ العصر الشهاب بن حجر -وهو المراد بإطلاقي شيخنا فيما يأتى-: ولا يصح رفعه. ووجه الشاهد فيه: أن لفظ: نصف يقتضي الزيادة.
(حقيقة التقوى) أي: الإيمان كما في رواية (3)؛ لأن التقوى وقاية النفس عن الشرك، والتقوى أتت في القرآن لمعان للإيمان، كقوله:{وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: 26] وللتقوى، كقوله:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا} [الأعراف: 96] وللطاعة، كقوله:{أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاتَّقُونِ} ولترك المعصية، كقوله:{وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ} وللإخلاص كقوله: {مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} وللخشية كقوله: {اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ} .
(حتى يَدَعَ) أي: يترك. (حاكَ) بتخفيف الكاف، أي: تردَّد وهذا
(1) انظر: "المعجم الكبير" 9/ 104 (8544). وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 57: ورجاله رجال الصحيح.
(2)
"شعب الإيمان" 1/ 74 (48)، ولا حديث بعلقه البخاري، كما بين المصنف، وقال الحافظ في "الفتح" 1/ 48: رواه الطبراني بسند صحيح وأخرجه أبو نعيم في "الحلية"، والبيهقي في "الزهد" من حديثه مرفوعًا ولا يثبت رفعه، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 1/ 57 رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح.
(3)
رواه ابن حبان في "صحيحه" 1/ 471 (235) كتاب: الإيمان، باب: صفات المؤمنين. من حديث أنس بن مالك.