الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
129 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: ذُكِرَ لِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: "مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ"، قَالَ: أَلا أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: "لَا إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا".
[انظر: 128 - مسلم 2: 3 - فتح: 1/ 227]
(معتمر) هو ابن سليمان بن طرخان. (أنسًا) في نسخة: "أنس بن مالك".
(ذكر لي) بالبناءِ للمفعول، ولا يقدح في صحة الحديث عدم تسمية أنس للذاكر؛ لأنَّ المتن ثابت من طريق آخر، وأيضًا فأنس لا يروي إلا عن عدل صحابيٍّ، أو غيره، فلا تضر الجهالة، وأيضًا يغتفر في المتابعة ما لا يغتفر في الأصولِ، ويحتمل أن المحذوف معاذ صاحب القصة.
(قال لمعاذ) في نسخة: "لمعاذ بن جبل". (دخل الجنة) أي: ولو بعد دخوله النار. (قال معاذ) في نسخة: "فقال معاذ".
(لا) أي: لا تبشرهم. (أخاف أن يتكلوا) استئناف على سبيل التعليل، كأن معاذًا قال لِمَ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لأني أخاف أن يعتمدوا على مجرد التوحيد، وفي نسخة:"لا، إني أخاف"، وما ذكر كان قبل نزول الفرائض، أو بالنسبة إلى من أدى حقوق الإسلام.
50 - باب الحَيَاءِ فِي العِلْم
.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "لَا يَتَعَلَّمُ العِلْمَ مُسْتَحْيٍ وَلَا مُسْتَكْبِرٌ" وَقَالَتْ عَائِشَةُ: "نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ".
(باب: الحياء) بالمد. (في العلم)، أي: في تعلمه أي: في بيان حكم ذلك.
(وقال مجاهد) هو ابن جبر التابعي الكبير، والواو استئنافية.
(لا يتعلم العلم مستحيي) بإسكان الحاء، وبياءين آخرهما ساكنة، من استحيا يستحيي، بوزن مستفعل، ويجوز فيه:(مستحي) بكسر الحاء، وبياء واحدة: من استحى يستحي بوزن مستفع، ويجوز مستحٍ بغير ياء بوزن مستفٍ. (ولا مستكبر) أي: متكبر، يتعاظم ويستنكف أن يتعلم العلم، وهو أعظم آفات العلم، فالحياءُ هنا مذموم؛ لأنه سببٌ لترك أمرٍ شرعيٍّ.
(نساء الأنصار) أي: مؤمنات أهل المدينة.
130 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، فَهَلْ عَلَى المَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِذَا رَأَتِ المَاءَ" فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ، تَعْنِي وَجْهَهَا، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَتَحْتَلِمُ المَرْأَةُ؟ قَالَ: "نَعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا".
[282، 3328، 6091، 6121 - مسلم 313 - فتح: 1/ 228]
(هشام) في نسخة: "هشام بن عروة". (عن زينب ابنة أمِّ سلمة) في نسخة: "بنت أمِّ سلمة" وأبو زينب: عبد الله بن عبد الأسد المخزومي (1). (أمُّ سليم) بضمِّ المهملة، وفتح اللام، بنت ملحان.
(1) هو عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي، من السابقين الأولين إلى الإسلام، قال ابن إسحق: أسلم بعد عشرة أنفس وكان أخا النبي في الرضاعة كما ثبت في "الصحيحين" تزوج أم سلمة، ثم صارت بعده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو نعيم: كان أول من هاجر إلى المدينة، وزاد ابن منده: وإلا الحبشة، وتوفي سنة أربع من الهجرة بعد منصرفه من أحد انتقض به جرح كان أصابه باحد، فمات منه فشهده رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(إن الله لا يستحي) بياءين أفصح من واحدة، والاستحياءُ هنا ليس على بابه، بل هو استعارة تبعية تمثيلية أي: إن الله لا يمتنع من بيان الحقِّ، فكذا أنا لا أمتنع من سؤالي كان كان فيه استحياء، وإنما قالت ذلك؛ بَسْطًا لعذرها في ذكر ما تستحي النساءُ من ذكره عادة بحضرة الرجال.
(من غسل) بضمِّ الغين وفتحها مصدران، ويقال: هو بالضمِّ اسم للفعل وبالفتح مصدر. (إذا هي احتلمت) أي: رأت في منامها أنها تجامع، وإذا ظرفية (1).
(قال) في نسخة: "فقال". (النبي) في نسخة: "رسول الله". (إذا رأت الماء) أي: المنيَّ، و (إذا) ظرفية، ويجوز أن تكون شرطية، أي: إذا رأت المنيَّ وجب عليها الغسل، فإن لم تره فلا غسل عليها، وكذا الرجل؛ لأنَّ حكمه على الواحد حكم على الجماعة.
(فغطت أم سلمة) الظاهر: أنه من كلام زينب، ويجوز أن يكون من كلام أم سلمة، على وجه الالتفات من باب التجريد (2)، كأنها
"الإصابة" 4/ 131 (4801)، "الاستيعاب" ترجمة:(1607)، "أسد الغابة" ترجمة:(3038).
(1)
أي ظرف لمجرد الظرفية خالية من معنى الشرط. ومن ذلك قوله تعالى: "والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى".
(2)
التجريد: هو أن ينتزع من أمر ذي صفه آخر مثله فيها، مبالغة في كمالها فيه، وهو أقسام: منها: ما يكون بمن التجريدية نحو قولهم: "لي من فلان صديق حميم" أي: بلغ من الصداقة حدًّا صح معه أن يستخلص منه آخر مثله فيها؛ مبالغة في كمالها فيه.
ومنها: ما يكون بالباء التجريدية الداخلة على المنتزع منه، كقولهم:"لئن سألت فلانًا لتسألن به البحر" بالغ في اتصافه بالسماحة انتزع منه بحرًا
جردت من نفسها شخصًا فأسندت إليه التغطية، والأصل: فغطيت وجهي. (تعني: وجهها) بالتاء الفوقية، أي: قال عروة، أو غير ذلك.
(أو تحتلم؟) العطف على مقدر أي: اتربها المرأة الماء وتحتلم بحذف همزة الاستفهام (1). (تربت يمينك) بكسر الراءِ، أي: افتقرت وصارت على التراب، وهي كلمة جارية على ألسنة العرب، لا
في السماحة. ومنها: ما يكون بفي الداخلة على المنتزع منه نحو قوله تعالى: {لهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ} ، ومنها: ما يكون بغير توسط حرف نحو قوله:
فلئن بقيت لأرحلن بغزوة
…
تحوي الغنائم أو يموت كريم
يعني نفسه انتزع منه نفسًا كريمة، مبالغة في كرمه، ومنها: مخاطبة الإنسان نفسه نحو المثال الذي معنا في الحديث فكأنها جردت من نفسها شخصًا فأسندت إليه التغطية، ونحو قول الشاعر:
لا خيل عندك تهديها ولا مال
…
فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
حيث انتزع من نفسه شخصًا آخر مثله في فقد الخيل والمال. أهـ بتصرف. انظر: "أسرار البلاغة" ص 335، "شرح عقود الجمان" ص 140 - 141.
(1)
الهمزة: أصل أدوات الاستفهام، ولأصالتها استأثرت بأمور منها تمام التصدير بتقديمها على الفاء والواو وثم، كما في الحديث (أو تحتلم) وكان الأصل في ذلك تقديم حرف العطف على الهمزة لأنها من الجملة المعطوفة، لكن راعوا أصالة الهمزة في أستحقاف التصدير فقدموها. والنحاة في حذف همزة الاستفهام على قولين:
أحدهما: أن حذفها لأمن اللبس ضرورة. وهلذا قول سيبويه والمبرد وغيرهما.
الثاني: جواز حذفها في الاختيار وهو مذهب الأخفش واختاره الزمخشري، وابن مالك، والمرادي، وغيرهم ومما جاء على حذفها قوله صلى الله عليه وسلم "يا أبا ذر عيَّرته بأمه" وقوله صلى الله عليه وسلم:"وإن زنى وإن سرق".
يريدون بها الدعاء على المخاطب، بل التحسن في الكلام، فيقال: تربت يمينه، أو يداه كما يقال: قاتل الله فلانًا ما أشجعه، فيقال مثل ذلك في مقام المدح بالشيء، أو الحث عليه.
(فبم يشبهها ولدها؟) أصل فبم: (فبما)، حُذفت الألف (1)، والمعنى: أن الولد لا يشبه أمه إلا لأنَّ ماءها يغلب ماء الرجل عند الجماع، ومن أمكن منه إنزال الماء عند المجامعة أمكن منه نزول الماء عند الاحتلام.
وأراد البخاريُّ بهذا الباب، كما قال ابن بطَّال: بيان أن الحياءَ المانع من طلب العلم مذموم، ولهذا بدأ يقول مجاهد وعائشة، وإذا كان الحياءُ على جهة التوقير والإجلال، فهو حسن، كما فعلت أمُّ سلمَة حين غطت وجهها (2).
وفي الحديث: أن الحياء لا يمنع من طلب الحقائق، وأن المرأة تحتلم، وإن كان نادرًا منها.
131 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَهِيَ مَثَلُ المُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ " فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَادِيَةِ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا بِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"هِيَ النَّخْلَةُ" قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي، فَقَالَ:"لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا".
[انظر: 31 - مسلم: 2811 - فتح: 1/ 229]
(1) لأن (ما) الاستفهامية إذا اسبقت بحرف الجر حُذف ألفها ومنه: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)} {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43)} .
(2)
"شرح البخاري" لابن بطال 1/ 210.