الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مَنْ يُقِمْ ليلةَ القدرِ) أي: يطع الله تعالى فيها، قيل: ويكفي في ذلك ما يُسمى قيامًا، حتى أنَّ مَنْ أدَّ العشاءَ فقد قام، لكن الظاهرَ من الحديثِ عُرفًا كما قال الكرمانيُّ: أنَّه لا يقال: قام الليةَ إلَّا إذا قام جميعَها، أو أكثرها (1). ونصب (ليلةَ القدرِ) بأنَّه مفعولُ به، لا فيه، إذ المعنى: مَنْ يُحيي ليلةَ القدرِ، ويجوزُ نصبُه بأنَّه مفعولُ فيه بمعنى: مَنْ يطعِ الله فيها، وإنمَّا عبَّر بالمضارعِ في الشرطِ في قيامِها، وبالماضي في قيام رمضانَ وصيامِه في البابين الآتيين؛ لأنَّ قيام رمضانَ وصيامه متحققانِ، بخلاف قيام ليلة القدر.
(إيمانًا) أي: تصديقًا بأنَّه حقٌّ وطاعةٌ. (واحتسابًا) أي: لوجهه تعالى، لا رياءً، ونصبهما على المفعول له، أو التمييزِ، أو الحالِ بتأويل المصدر باسم المفعولِ. وعليه فهما: حالانِ متداخلانِ، أو مترادفانِ.
(غُفر له ما تقدَّم من ذنبهِ) أي: مِنْ صغائرِ ذنوبِه، كما في نظائِره مِنْ غفرانِ الذنوبِ بقرينة التقييدِ في بعضِ الأحاديثِ بما اجتنبت الكبائرُ، والنكتةُ في وقوعِ الجزاءِ ماضيًا مع أنَّه في المستقبل: أنَّه متيقنُ الوقوعِ فضلًا من الله على عباده.
وفي الحديث: دلالةٌ على جَعْلِ الأعمالِ إيمانًا؛ لأنَّه جعلَ القيامَ مِنْ الإيمانِ. (ومن ذنبهِ) بيانٌ لمِا تقدَّم.
26 - باب الجهَادُ مِنَ الإِيمَانِ
.
(باب) ساقطٌ منْ نسخةٍ. (الجَهاد من الإيمان) مبتدأٌ وخبرُ.
(1)"صحيح البخاري بشرح الكرماني" 1/ 153.
36 -
حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إلا إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي، أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، وَلَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ"[2787، 2797، 2972، 3123، 7226، 7227، 7457، 7463 - مسلم: 1876 - فتح: 1/ 92]
(حَرَميُّ بنُ حفص) هو ابن عمرِ العتكي، بفتح المهملة والفوقيةِ، نسبةً إلى العتيك بنِ الأسْدِ. (عبد الواحدِ) هو ابن زياد العبدي، نسبةً إلى عبد القيس المصريِّ. (عمارة) بضمِ المهملةِ ابن القعقاعِ بن شُبْرمةَ الضبيُّ نسبةً إلى بني ضبة. (أبو زرعةَ بن عمرو) أي: ابن جرير البجليُّ، واسمُ أبي زرعةَ: هرمٌ، أو عبدُ الرحمنِ، أو عمرُ، أو عبدُ الله.
(انْتَدَبَ) بنونٍ ساكنةٍ، وفوقيةٍ مفتوحةٍ، ودالٍ مهملةٍ، أي: أجاب لمَّا نُدِبَ، أي: طلب منه. (الله) في نسخةٍ: "الله عز وجل"(في سبيله) أي: سبيلِ الله، قيل: أو سبيل مَن خَرَجَ. (إلَّا إيمانٌ بي) في نسخةٍ: "إلَّا الإيمانُ بي" وفي (بي) إلتفاتٌ مِنَ الغيبةِ إلى المتكلم. (أو تصديق) في نسخةٍ: "وتصديقٌ" فأو بمعنى: الواو (1)، إذ لا بدَّ من الإيمان بالله، والتصديق برسلِه.
(1) مجيء (أَوْ) بمعنى الواو -أي المطلق الجمع- ذكره كثير من النحاة منهم قطرب والأخفش والجَرْمي وأبو عبيدة والكوفيون وأبو علي الفارسي وابن جني والعكبري وابن مالك. وردَّ بعض النحاة مجيء (أو) بمعنى الواو، وجعله آخرون قليلًا لا يقاس عليه.
(أن أُرجعَهُ) بفتح الهمزةِ أي: بأن (1)، وأُرجعَه مِن الرجعِ، لا من الرجوعِ، إذ الفعلُ منْ الرجعِ متعدِّ، كما هنا، ومِنَ الرجوع لازمٌ. (نال) أي: أصاب وجاء بلفظِ الماضي، لتحقق وعدِ الله تعالى. (مِنْ أجر) أي: فقط إنْ لم يغنموا. (أو غنيمة) أي: إنْ غنموُا، لا ينافي ذلك اجتماعَ الأمرين بجعلِ القضية مانعة خلو. على أنَّ أبا داودَ عطف على ذلك بالواو، لا بـ (أو).
(أو أدخله الجنة) عُطف على أُرجعه أي: إنَّ المجاهدَ ينال خيرَا بكل حالٍ، لأنَّه إمَّا أنْ يرجعَ سالمًا بأجرٍ، أو بغنيمةٍ، أو بهما، أو يستشهدَ فيدخل الجنة، والمعنى في وعده بدخول الشهيد لها مع أن كل مِن المؤمنين يدخلها: إنَّ دخولَهُ إمَّا عند موته، كما قال تعالى:{أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]، أو أنَّ المرادَ: دخولهم مع السابقين والمقرَّبين بلا حساب، ولا مؤاخذةٍ بذنوبٍ، بلْ تكفرها الشهادةُ.
(ولولا) هي الامتناعية (2) أي: امتنع عدم القعود لوجودِ المشقةِ، وسببُ المشقةِ؛ صعوبةُ تخلفهم بعْدَهم، ولا قدرةَ لهم على المسيرِ معه؛ لضيق حالهم. (خَلْفَ سَرِيَّةٍ) بالنصبِ على الظرفيةِ أي: ما قعدت بعد سرية: وهي القطعة من الجيش أي: لا أتخلَّفُ عنها، بلْ أخرجُ معها بنفسي؛ لعظم أجرها. (ولوددتُ) عطف على ما قعدتُ، فكلٌّ
(1) سبق القول بأن حذف الباء مع (أن) و (لأنّ) كثير.
(2)
لولا الامتناعية يقال لها: حرف امتناع لوجوب. وبعضهم يقول: لوجود، بالدال، وقيل: هي بحسب الجمل التي تدخل عليها.
منهما جوابُ لولا. واللام داخلة على الثاني محذوفة من الأول، وكلٌّ من ذكرها وعدمه جائزٌ، لكن الأكثر ذكرها (1)، أو هي لام قسم محذوف أي: أحببت. (أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا
…
إلخ) بضم الهمزة في كل ما ذكر من (أقتل وأحيا) في نسخةٍ: "أن أقتل" وفي أخرى: "فاقتل" وختم بالقتل مع أن القرار الحياة؛ لأن المراد: الشهادة، فختم بالحال عليها؛ أو لأن الإحياء للجزاء معلوم، فلا حاجة إلى ودادته، و (ثم): للتراخي في الرتبة أحسن من جعلها على تراخي الزمان؛ لأن المتمني حصول مرتبة بعد مرتبة إلى الانتهاء إلى الفردوس الأعلى.
وفي الحديث -كما قال النوويُّ-: فضل الجهاد والشهادة، والحث على حسن النية، وشدة شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته، واستحباب طلب القتل في سبيل الله، وجواز قول الإنسان في الخير: لوددتُ، وتقديم أهم المصلحتين وأن الجهاد فرض كفاية، وتمنِّي الشهادة، وتمنِّي ما لم يمكن في العادة من الخيرات، والسعي في إزالة المكروه، والشفقة على المسلمين (2).
(1) حَذْفُ اللام من جواب لولا اختلف فيه النحاة، فبعضهم جعله قليل -وعليه المصنف هنا- وبعضهم ضرورة، وبعضهم جعله مساويًا لأثباتها. والراجح من هذه الأقوال أولها.
(2)
انظر: "صحيح مسلم بشرح النووي" 13/ 22.