الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فهو كفَّارةُ له) استُشكل بأنَّ قتل المرتدِّ على ارتدادِه لا يكون كفارةً، وأجيب: بأن الحديث مخصوصٌ بقولهِ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 116]، وحاصل ما ذهبَ إليه أكثرُ الفقهاءِ: أنَّ الحدودَ في غير الشركِ كفارات، وقال قومٌ بالوقفِ لخبر الحاكم: أنَّه صلى الله عليه وسلم "قال: لا أدري الحدودُ كفارةٌ لأهلِها، أمْ لَا"(1) وأُجيبُ: بأن خبر الباب أصحُّ إسنادًا، وبأن خبر الحاكم ورد قبل أَنْ يُعلمَ صلى الله عليه وسلم بذلك، ثم أعلَمهُ الله أخيرًا به. (فهو إلى الله) أي: مفوَّضٌ إليه. (إن شاء عفا عنه) بفضلهِ، (وإنْ شاء عاقبه) بعدلهِ، ثم أدخلَهُ الجنَّةَ، وفي ذلك ردٌّ على المعتزلةِ في قولهم: إنَّ صاحبَ الكبيرة إذا ماتَ بغيرِ توبةٍ لا يعُفى عنه، وأنه إذا تاب يجب أنْ يُعفا عنه.
12 - باب مِنَ الدِّينِ الفِرَارُ مِنَ الفِتَنِ
.
(باب) بالتنوينُ، والسكونُ، والإضافةُ، إِلى جملةِ (منَ الدينِ الفرارُ منَ الفتنِ) لمْ يقلْ منَ الإيمان مِراعاةً للفظِ الحديثِ، والمرادُ: أنَّ الفرار شعبةٌ منْ شعب الإيمان المعبَّرِ عنهُ بالدينِ إذْ الفرارُ ليسَ بدينٍ.
19 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ وَمَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ"[3300، 3600، 6495، 7088 - فتح 1/ 69]
(حدثنا عبدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ) بفتح الميمِ واللامِ، ابن قعنب الحارثيُّ. (أبي صَعْصَعَةَ) اسمهُ: عمروُ بنُ زيدٍ بن عوفٍ بنِ مبذولٍ بن
(1)"المستدرك على الصحيحين" 2/ 450 كتاب: التفسير، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي.
عمروٍ الأنصاريُّ. (عن أبي سعيد) اسمه: سعدُ بنُ مالكِ بنِ سنان الخزرجيُّ. (الخُدْريُّ) بضمِّ المعجمةِ وسكونِ المهملةِ، نسبةً إلى خُدْرةَ جدِّه الأعلى، أو بطن مِنَ الأنصار.
(يوشك)(1) بضمِّ الياءِ، وكسرِ المعجمةِ، وحُكِيَ فتحُها في لغةٍ، أي: يقربُ. (خير مال المسلم غنمًا) برفع خير اسم يكون، ونصب غنمًا خبرًا لها، وفي نسخةٍ: بالعكسِ (2)، وجوَّزَ ابن مالكٍ رفعَهما على الابتداء، والخبر، بجعل اسم يكون ضميرَ الشأنِ (3).
(يتبع) بتشديد الفوقية منِ اتَّبَعَ، ويجوزُ تخفيفُها مسكنةً من تَبع بكسرِ الموحدةِ. (شَعَفَ الجبالِ) بمعجمةٍ فمهملةٍ مفتوحتين جمع شعفة بالفتح، أي: رؤسها. (ومواقع القطر) أي: مواضعَ المطرِ، والمرادُ: بطونُ الأوديةِ والصحاري، وخصَّ المواضعَ المذكورة؛ لما فيهَا من الخلوةِ والسلامةِ من الكدرِ، وخصَّ الغنم؛ لما فيها السكينةِ والبركة، وقد رعاها الأنبياءُ.
(يفرُّ بدينهِ) أي: يهربُ بسببه ومعهُ، وجملةُ:(يفرُّ) حالٌ منْ فاعل (يتبع)، أو مَن المسلمِ، في قولهِ:(مالُ المسلم) وجازَ من المضافِ إليه (4)؛ لأنَّ المالَ لشدةِ ملابستِهِ لصاحبهِ، كأنه هو؛ أو جزء منه. (من
(1) وهو فعل من أفعال المقاربة التي تعمل عمل (كان) إلا أن خبرها يجب أن يكون جملةً وأفعال المقاربة هي: كادَ، أَوْشَكَ، كَرَبَ.
(2)
الذي هنا نصب (خير) ورفع (غنم)، والذي في النسخة الأخرى هو العكس، وهو الذي وجَّهه المصنف.
(3)
انظر: "شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح" ص 203.
(4)
مجيء الحال من المضاف إليه اختلف فيه النحاة على قولين:
أحدهما: أنه جائز مطلقًا. وهو مذهب سيبويه والفارسي.
الثاني: أنه جائز بثلاثة شروط: