الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمدٍ هنا ذلك لا ينافي جزمه به في رواية أخرى لاحتمال تقدم أحدهما على الآخرِ. (عليكم حرام) معلومٌ بالعقلِ أن أموال الشخص لا تُحرَّم عليه فالمراد: أن أموالَ كلِ واحدٌ منكم حرام على غيرهِ، ويؤيده روايةُ:"بينكم"(1) بدل عليكم. كان ذلك بيانًا لقوله.
(صدق) أي: كان إخبارُه صلى الله عليه وسلم بأنه سيقع التبليغُ بعد، فيكون الأمرُ في (ليبلِّغ) بمعنى الخبر؛ لأنَّ التصديقَ إنما يكونُ للخبرِ، لا للأمرِ. (ألا هَلْ بلغت) بتخفيف ألا أي: ألا يا قومِ هل بلغت، أي: امتثلت قولَه تعالى: (بلغ ما أنزل إليك)[المائدة: 67] وهل للاستفهام على أصلِها، أو بمعنى: قد، كما في قولهِ تعالى:{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} [الإنسان: 1].
(مرتين) متعلقٌ بقال مقدرة أي: قال صلى الله عليه وسلم: ألا هل بلغت مرتين. لا أنه قال جميع ما ذكر مرتين؛ لأنَّه لم يثبت، فقوله (كان محمد
…
إلخ) اعتراض بين كلامه صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث: بيانُ حرمةِ مكةَ، وتحريمُ القتل، والغصب، والغيبة، وفيه تكرار الكلام.
38 - بَابُ إِثْمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
.
(باب: من كذب على النَّبي صلى الله عليه وسلم) أي: بابَ بيانِ ذلك.
106 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الجَعْدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ، قَالَ: سَمِعْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَكْذِبُوا
(1) سلف برقم (67) كتاب: العلم، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم (رب مبلغ أوعى من سامع).
عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَلِجِ النَّارَ".
[مسلم: 1 - فتح: 1/ 199]
(عليُّ بنُ الجعدِ) بفتح الجيمِ، وسكون العين، وبالدال المهملتين (منصور) هو ابن المعتمر. (رِبْعي) بكسر الراء وسكونِ الموحدةِ (ابن حراش) بكسر المهملةِ وبالراء الخفيفةِ، والشين المعجمةِ: ابن جحشٍ الغطفانيُّ.
(لا تكذبوا عليَّ) الكذبُ: عدمُ مطابقة الخبرِ للواقعِ سواءً طابق الاعتقادَ أم لا، وقيل: عدم مطابقته للاعتقادِ، وقيل: عدمُ مطابقتهِ لهما، ولا فرق بين الكذبِ عليه، والكذب له، فمعنى قوله (عليَّ): نسبةُ الكلامِ إليه كذبًا، سواءُ كان عليه أم له.
(فليلج النار) أي: فليدخلها. قيل: الشرطُ سببُ الجزاءِ، فكيف يتصور سببيةِ الكذب للأمر بالولوج؟ وإنَّما هو سببٌ للولوجِ، وأجيب: بأنه سببٌ للازمِ الأَمرِ بالولوجِ، وهو الإلزام به، أو هو الأمرُ، ومعناه الخبرُ، ويؤيده خبرُ مسلمٍ:"من يكذبُ علي يلج النار"(1)، والمرادُ كما قال النوويُّ: إنَّ هذا جزاؤه، وقد يُجازى به، وقد يعفو الله عنه، ولا يقطع له بدخولِ النَّارِ، كسائر أصحابِ الكبائرِ غير الكفرِ ثم إن جُوزيَ وأدُخلَ فلا يخلدُ فيها، بل لا بدَّ من خروجه منها بفضلِ الله ورحمتهِ (2).
107 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ: إِنِّي لَا أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا يُحَدِّثُ فُلانٌ وَفُلانٌ؟ قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ، وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ:"مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".
[فتح: 1/ 200]
(1) مسلم في مقدمة صحيحه برقم (1) باب: تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 1/ 68 - 69.
(لا أسمعك) في نسخةٍ: "إني لَاسمعك تُحدِّث
…
الخ" المعنى: لأسمع تحدثيك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كتحديث فلانٍ وفلانٍ. (أما إني لم أفارقه) بتخفيف ميم أما وهي حرف تنبيه، وبكسر همزة إني، والمرادُ: نفيُ المفارقةِ العرفيةِ. أي: الملازمة حضرًا وسفرًا على عادةِ ملازمةِ الملوكِ، فلا تضرُّ مفارقته له بعض الأحيانِ.
(ولكن سمعته يقول) في نسخةٍ: "ولكني" وفي أخرى: "ولكنني" ووجهُ الاستدراكِ: أن من لازم عدمَ المفارقة السماع، ولازم السماعَ التحديث، ولازم ما رواه في الجواب أن لا يحدّث، فبين الملازمتين منافاةٌ، وعبَّر بيقول مع أنَّ المناسبَ لسمعت: قال، لاستحضارِ صورة القولِ للحاضرين، والحكاية عنها. (فليتبوأ) بسكون اللام أشهر من كسرِها أي: فليتخذ مقعدَه. (من النارِ) من بيانية أو ابتدائية، أو بمعنى في، وفي وقوع فليتبوأ جوابًا للشرط ما مرَّ في فليلج النار، أو هو أمرُ تهديدٍ، أو دعاء أي؛ بوأه الله.
وفي الحديثِ: أنَّه لا يجوز التحدُّث عنه صلى الله عليه وسلم بالشد وغالبِ الظنِّ حتى يتيقن سماعُه.
108 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ، قَالَ أَنَسٌ: إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".
[مسلم: 2 - فتح: 1/ 201]
(أبو معمر) اسمُه: عبدُ الله بنُ عمرو المنقريُّ. (عبد الوارث) أي: ابنُ سعيد التيمي. (عبد العزيز) أي: ابن صُهيب البصريُّ.
(ليمنعني أن أحدثكم
…
إلخ) ومعنى كون الحديث الذي ذكره يمنعه من الحديثِ الكثيرِ وإنْ كان لا يمنع الصادقَ أنه قد يجر إلى الوقوعِ في كذبٍ، فإنَّ من حام حول الحمى يوشك أنْ يقع فيه وإنْ لم
يكن بالقصدِ. (كذبًا) نكرة في سياق الشرط، كما في سياقِ النفيّ، فيعمُّ تحريمُ الكذبِ جميعَ أنواعهِ، ولو في النومِ.
وقد ذهب الشيخُ أبو محمدِ الجوينيُّ (1) إلى كفر من كذب عليه صلى الله عليه وسلم متعمدًا وردَّه عليه ولده إمام الحرمين، وقال: إنه من هفواته.
109 -
حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".
[فتح: 1/ 201]
(حدثنا المكيّ) في نسخةٍ: "حدثني المكيّ" وفي أخرى: "حدثني مكيّ". (عن سلمة) هو: ابن الأكوع، واسمه: الأكوع سنانُ بنُ عبد الله.
(ما لم أقل) أي: أقله، وكقوله: فعله ونحوه.
110 -
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي، وَمَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".
[3539، 6188، 6197، 6993 - مسلم: 3، 2134، 2266 - فتح: 1/ 202]
(حدثنا موسى) في نسخةٍ: "حدثني موسى" هو: أبو عوانة. أي:
(1) هو الحافظ أبو عمران موسى بن العباس صاحب المسند الصحيح على هيئة صحيح مسلم، قال أبو عبد الله الحاكم: هو حسن الحديث بمرة، صنف على كتاب مسلم وصحب أبا زكريا الأعرج بمصر والشام، وسمعت الحسن بن أحمد يقول: كان أبو عمران الجويني في دارنا وكان يقوم الليل ويصلي ويبكي طويلًا. توفي بجوين في سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة.
انظر: ترجمته في "تذكرة الحفاظ" 3/ 818 - 819 (804)، و"طبقات الحفاظ" 1/ 342 (774)، و"المقتنى في سرد الكنى" 1/ 438 (4770).
الوضَّاحُ اليشكريّ (عن أبي حصين) بفتح الحاء، وكسر الصاد المهملتين: عثمانُ بن عاصم. (عن أبي صالحٍ) اسمه: ذكوانُ السَّمانُ المدنيُّ.
(تسموا) بفتح التاءِ، والسينِ، والميمِ المشددة: أمرٌ بصيغةِ الجمعِ من باب التفعلِ. (باسمي) أي: كمحمدٍ وأحمدَ. (ولا تكتنوا) بفتح التاءين بينَهما كافٌ ساكنةٌ. وفي نسخةٍ: "ولا تكنَّوا" بفتح التاء والكاف وبنون مشددةٍ مفتوحةٍ من باب التفعلِ. (بكنيتي) أي: بأبي القاسم، وتحريمُ التكني به محله فيمن اسمَه محمد، ولو في غير زمنه، لخبر:"من تسمى باسمي فلا يتكنى بكنيتي. ومن تكنّى بكنيتي فلا يتسمى باسمي" رواه ابن حبان وصححه، وقال البيهقي: إسناده صحيح (1)، والذي نصَّ عليه الشافعيُّ: المنعُ مطلقًا لخبر "الصحيحين": "تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي".
ورجَّح ابن أبي الدمِ والرافعيُّ الأول بعد نقلهما النصَّ المذكور، وما رجحاه فيه جمع بين الخبرينِ بخلافِ النصّ، وأما تكنيةُ عليٍّ رضي الله عنه ولدَه محمدَ بنَ الحنفيةِ بذلك فرخصةٌ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، كما قاله ابن أبي الدمِ.
(1) رواه: "أبو داود"(4966) كتاب: الأدب، باب: عن رأي أن لا يجمع بينهما، و"الترمذي" (2842) كتاب: الأدب، باب: ما جاء في كراهية الجمع بين اسم النبي وكنيته بلفظ: (إذا سميتم بي فلا تكتنوا بي) وقال: حسن غريب من هذا الوجه. وصححه الألباني في "صحيح الترمذي"، و"أحمد" 3/ 313، وابن حبان 13/ 133 (5816) كتاب: الحظر والإباحة، باب: الأسماء والكنى. بلفظ (إذا كنيتم فلا تسموا بي وإذا سميتم بي فلا تكنوا بي) والبيهقي في "السنن" 9/ 309 كتاب: الضحايا، باب: من رأى الكراهة في الجمع بينهما. قال الألباني في "ضعيف أبي داود": منكر.
قال شيخنا: وأما ما رواه أبو داودَ عن عائشةَ قالتْ: جاءت امرأة إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسولَ الله إني قد ولدتُ غلامًا، فسميته محمدًا، وكنيته أبا القاسم، فذُكِرَ لي أنك تكره ذلك. فقال:"ما الذي أحل اسمي وحرَّم كنيتي، أو ما الذي حرّم كنيتي وأحل اسمي" فيشبه أنْ يكونَ قبل النهي؛ لأنَّ حديث النهي أصح. انتهى (1).
وضعَّف النوويُّ الأول وقال: الأقربُ أن النهي مختصٌّ بحياتهِ صلى الله عليه وسلم لما في الحديثِ (2) من سبب النهي، وهو أنَّ اليهودَ تكنوا به، وكانوا ينادون يا أبا القاسم، فإذا التفت النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: لم نعنك. إظهارًا للإيذاءِ وقد زال ذلك المعنى. انتهى.
وما قال أنه أقرب أخذًا من سببِ النهي مخالفٌ لقاعدةِ إنَّ العبرة بعمومِ اللفظِ، لا بخصوصِ السببِ، بل الأقرب ما رجحه الرافعيُّ، وقال الأسنويُّ: إنه الصوابُ؛ لما فيه من الجمع بين الخبرينِ السابقين، كما مرَّ.
(ومن رآني في المنام فقد رآني) جواب الشرط لازمُ الرؤيةِ، وهو السرورُ لا الرؤية؛ لئلا يتحد الجواب مع الشرط، فيستسر؛ بأنه قد رآني، أو المعنى على التشبيه أي: فكأنَّه رآني في اليقظةِ، ومعنى رؤيته
(1)"الفتح " 10/ 573 - 574، والحديث رواه أبو داود (4968)، كتاب: الأدب، باب: في الرخصة في الجمع بينهما. والطبراني في "الأوسط" 2/ 9 (1057) وقال: لم يرو هذا الحديث عن صفية إلا محمد بن عمران، ولا يُروى عن عائشة إلا بهذا الإسناد. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".
(2)
سيأتي برقم (2121) كتاب: البيوع، باب: ما ذكر في الأسواق، وأخرجه مسلم برقم (2131) كتاب: الأدب، باب: النهي عن التكني بأبي القاسم وبيان ما يستحب من الأسماء.