الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذا قد ينفع الناس فأشبه بالأرض الصلبة لم تنبت ولكن تمسك الماء فيأخذه الناس وينتفعون به، وهذا القسم من الناسِ غير مصرَّح به في الحديث ومن الأرض صرَّح به فيه، ومن لم يتحمَّل ولم يتفقه فيه، كالقيعان التي لا تمسك الماء، بل هي سباخ.
فالأول: لمن نفع وانتفع وهم العلماء.
والثاني: لمن نفع ولم ينتفع وهم النقلة، والثالث: لمن لم ينفع ولم ينتفع وهم من لا علم له ولا نقل.
(الذي أرسلت به) زاد البخاريُّ في نسخة: "قاع يعلوه الماء والصفصف: المستوي من الأرض".
قال شيخُنا: وأراد به أن قيعان المذكورة في الحديث جمع قاع (1)، وأنها الأرض التي يعلوها الماء، ولا يستقرُّ فيها، وإنما ذكر الصّفصف معه جريًا على عادته في الاعتناءِ بما يقع في الحديث من الألفاظ الواقعة في القرآن وقد يستطرد.
21 - بَابُ رَفْعِ العِلْمِ وَظُهُورِ الجَهْلِ
.
وقَالَ رَبِيعَةُ: "لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ العِلْمِ أَنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ".
80 -
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ وَيَثْبُتَ الجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا".
[81، 5231، 5577، 6808 - مسلم 2671 - فتح: 1/ 178]
(1)"الفتح" 1/ 177.
(باب: رفع. العلم وظهور الجهل) أي: الثاني للإيضاح، وإلا فالأول مستلزم له.
(وقال ربيعة) أي: ربيعة الرأي، بالهمزة الساكنة: ابن عبد الرحمن المدنيُّ التابعي شيخ الإمام مالك، وإنما قيل له: الرأي؛ لكثرة اشتغاله بالرأي والاجتهاد. (من العلم) أي: الفهم. (أن يضيع نفسه) أي: يترك الاشتغال؛ لئلا يرتفع العلم.
(عن أنس) في نسخة: "عن أنس بن مالك".
(أشراط الساعة) أي: علاماتها. (أن يرفع العلم) أي: بموت العلماء لا بنزعه من الصدور، بقرينة خبر:"إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد ولكن يقبضه بقبض العلماء"(1).
(ويثبت) من الثبوت وفي نسخةٍ: "ويبثُّ" بمثله مشددة في آخره من البثِّ: وهو الانتشار، وفي أخرى:"وينبت" بمثناةٍ مخففةٍ في آخره، من النبات. (ويُشرب الخمرُ) بضمِّ أوله، أي: يفشو شربه إذ فشوه: هو العلامة. (ويظهر الزنا) بالقصرِ: بلغة أهل الحجاز وبالمدّ: بلغة أهل نجد، وبالنسبةِ إلى الأول: زنويّ، وإلى الثاني: زنائيّ.
81 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لَا يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يَقِلَّ العِلْمُ، وَيَظْهَرَ الجَهْلُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً القَيِّمُ الوَاحِدُ".
[انظر: 80 - مسلم: 2671 - فتح: 1/ 178]
(1) سيأتي برقم (100) كتاب: العلم، باب: كيف يقبض العلم، ومسلم برقم (2673) كتاب: العلم، باب: هلك المتنطعون.
(يحيى) أي: ابن سعيد القطَّان. (عن أنسٍ) في نسخةٍ: "عن أنس بن مالكٍ".
(لأحدثنكم) بفتح اللام، جواب قسم محذوف. (حديثًا) قائم مقام المفعول الثاني والثالث لأحدث. (لا يحدثكم أحد) أي: به، قال ذلك؛ إمَّا لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أعلمه به، أو لأنه لم يبق من الصحابة حينئذٍ غيره، أو لحثِّه الناسَ على طلبِ العلمِ؛ لِما رأى من تفريطهم فيه.
(سمعت) بيان لأحدثنكم، أو بدلٌ منه. (رسول الله) في نسخةٍ:"النبيُّ". (من أشراط الساعة) في نسخة: "أن من أشراط الساعة". (يقلُّ العلم) بكسر القاف، ولا منافاة بينه وبين ما مرَّ من الرفعِ؛ لأن القلة قد يعبر بها عن العدم، أو ذلك باعتبار زمانين: مبدأ الأشراط وانتهائها، ولذلك قال ثم: ويثبت الجهل، وهنا: ويظهر. (ويقل الرجال) أي: لكثرة القتل بسبب الفتن.
(لخمسين امرأة) يحتمل إرادة حقيقة هذا العدد، وأن يراد بها كونها مجازًا: عن الكثرة، قال الكرمانيُّ: ولعلَّ السرَّ في ذكر الخمسين؛ أن الأربعة هي كمال نصاب الزوجات، فاعتبر الجمال مع زيادة واحدة عليه؛ ليصير فوق الكمال؛ مبالغة في الكثرة؛ أو لأن الأربعة تؤلف منها العشرة، فيزيد فوق الأصلِ واحد، ثم اعتبر كلُّ واحدٍ منها بعشرة؛ تأكيدًا للكثرة، ومبالغةً فيها (1).
(القيم الواحد) أي: من يقوم بأمرهنَّ، واللام فيه للعهد، في كون الرجالِ قوَّامين على النساءِ، وللتخصيص لهذه الأمور نكتة وهي كونها مشعرة باختلال الضروريات الخمس الواجب رعايتها في جميع
(1)"صحيح البخاري بشرح الكرماني" 2/ 61.