الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10 - بَابٌ: العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ
.
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا اللَّهُ} [محمد: 19] فَبَدَأَ بِالعِلْمِ "وَأَنَّ العُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَرَّثُوا العِلْمَ، مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ" وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} [فاطر: 28] وَقَالَ: {وَمَا يَعْقِلُهَا إلا العَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10] وَقَالَ: {هَلْ يَسْتَوي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ" وَإِنَّمَا العِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ " وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: "لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ - وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ - ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ لَأَنْفَذْتُهَا" وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79] " حُلَمَاءَ فُقَهَاءَ، وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ العِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ" [فتح: 1/ 159]
(باب) ساقطٌ من نسخةٍ. (العلم قبل القولِ والعملِ) أي: يطلب قبلهما؛ إذ الشيءُ يعلم ثم يعملُ به، فهو مقدَّم بالذاتِ وكذا بالشرف؛ لأنه عملُ القلبِ، الذي هو أشرفُ الأعضاءِ، وبيَّن البخاريُّ بالترجمةِ مكانة العلم؛ لئلا يسبق إلى الذهن أن العلم لا ينفع إلا بالعملِ، فبيَّن أنَّه شرطٌ في القولِ والعملِ، مقدم عليهما، لا يعتبران إلا به.
(تعالى) في نسخةٍ: "عز وجل". (فبدأ بالعلم) أي: قبل قوله في الآية: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد: 19] المشار به إلى القولِ والعملِ والخطاب. بقوله: {فَاعْلَمْ} [محمد: 19] وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم، فالمراد: ما يتناولُ أمته، أو هو خاصة والأمر للدوام والثبات، كقوله:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 1]. أي: دُمْ على التقوى، واثْبَتْ عليها.
(وأنَّ العلماء) بفتح الهمزة عطفٌ على قولِ الله، أي: ولأنَّ العلماءَ وبكسرِها على سبيل الاستئنافِ، وقيل على سبيل الحكايةِ (ورثوا) بتشديد الراءِ مفتوحةً، أي: الأنبياءُ، وبتخفيفها مكسورةً أي: العلماءُ. (بحظٍّ وافرٍ) أي: بنصيب كاملٍ من ميراث النبوة. (طريقًا) نكرة ليتناول أنواع الطرقِ الموضلةِ إلى تحصيل العلوم الدينية.
(علمًا) نكرة ليتناول القليل، والكثير. (سهَّل الله له) أي: في الآخرة، وفي الدنيا بأن يوفقَهُ للأعمالِ الصالحةِ الموصلة إلى الجنةِ. ({وَمَا يَعْقِلُهَا}) أي: الأمثالُ المضروبةُ، وحسنُها وفائدتُها. (من يردِ الله به خيرًا يفقهه) أي:"يفهِّمه" كما في نسخةٍ. (في الدِّين) علقه هنا ورواه قريبًا مسندًا (1).
(وإنما العلم بالتعلم) في نسخةٍ: "بالتعليم" وهذا التعليقُ رواه الطبراني، وغيرُه مرفوعًا (2)، (وقال أبو ذرٍّ) اسمُه: جُنْدُبُ بنُ جنادةَ. (الصمصامه) بفتح الصادين المهملتينِ: السيفُ الصارمُ. (إلى قفاه) في نسخةٍ: "إلا القفا" وهو مقصورٌ يذكَّرُ ويؤنَّثُ (أُنفِذُ) بضم الهمزة، وكسر
(1) سيأتي برقم (71) كتاب: العلم، باب: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين.
(2)
الطبراني في "الكبير" 19/ 395 (929)، وأخرجه في "مسند الشاميين" 1/ 431 (758).
الفاء وبذالٍ معجمةٍ، أي: أُمضي، أو أُبلغ. (من النبيِّ) في نسخةٍ:"من رسولِ الله".
(تُجيز) بضم أولهِ وبزايٍ أي: تمرُّ الصمصامةُ. (عليَّ) بتشديد الياء أي: على قفاي، والمعنى. قبل أنْ تقطعُوا رأسيَ. (لأنفذتها) بفتح الهمزةِ، والفاء، وتسكين الذالِ المعجمةِ، ولو هنا لمجردِ الشرط، كـ (إن)، لا لمعناها الأصلي، وهو امتناعُ الثاني لامتناعِ الأوَّلِ، أو هي مثلُ لو لم يخف الله لم يعصه حتى يكونَ الحكمُ ثابتًا في النقيضِ بطريق الأولى.
هذا التعليقُ وصلَهُ الدارميُّ وغيره من حديثِ ابن مَرْثدٍ قال: جلستُ إلى أبي ذر والناسُ إليه عند الجمرةِ الوسطى يستفتونه فوقفَ عليه رجلٌ فقال: ألم ينهك أميرُ المؤمنين عنِ الفتوى، فقال: لو وضعتم الصمصامة على هذه الخ (1)، وإنما قال أبو ذرٍّ ذلك؛ حرصًا على تعليمِ العلمِ؛ طلبًا للثوابِ، وفي نسخةٍ: عقب لأنفذتُها لقولِ النبيّ صلى الله عليه وسلم "ليبلغِ الشاهدُ الغائبَ".
(ربَّانيين) جمع ربَّاني، نسبةً إلى الربِ بزيادة الألف والنون، والرَّبَّاني: الكاملُ في العلم والعمل، ووجه النسبةِ: إخلاصهُم للرَّبِّ تعالى. (حلماءَ) جمعُ حليمٍ باللام، والحُلمُ: الطمأنينةُ عند الغضب وفي نسخةٍ: "حكماء" جمع حكيم بالكاف، والحكمةُ: صحةُ القولِ، والقصدِ، والفعل، وقيل: الفقهُ في الدينِ، وقيل: معرفةُ الأشياءِ على ما هي عليه. (فقهاء) في نسخةٍ: "علماءُ" وهذا التعليقُ وصلَهُ الخطيبُ،
(1) الدارمي في "السنن" 1/ 456 (562) باب: البلاغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعليم السنن، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 160، والذهبي في "تذكرة الحفاظ " 1/ 18.