الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلماء على أنه كان يخرج من نفس أصابعه، وقيل: كثر الله الماء بنفسه فصار يفور من بين أصابعه لا من نفسها، وكلاهما معجزة ظاهرة.
(حتَّى توضئوا من عند آخرهم) حتى: حرف ابتداء دالة على التدريج، و (من) للبيان، أو لانتهاء الغاية (1) في لغة، كما قال النووي (2). أي: توضأ الناس من أولهم حتى انتهوا إلى آخرهم، والشخص الذي هو آخرهم منهم؛ لأن السياق يقتضي العموم والمبالغة بجعل (عند) لمطلق الظرفية بمعنى في لا لظرفية خاصة بالحضور، فكأنه قال: حتى توضأ الذين هم في آخرهم، وأنسٌ منهم أيضًا، بناءً على الأصح من أن المتكلم يدخل في عموم كلامه.
وفي الحديث: استحباب التماس الماء لمن كان على غير طهارة، وطلب الإعانة له عند حاجته [ممن معه ماء فاضل عن حاجته، (3)، والرد على من أنكر المعجزة من الملاحدة، واغتراف المتوضِئ من الماء القليل.
33 - بَابُ المَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعَرُ الإِنْسَانِ
.
وَكَانَ عَطَاءٌ: "لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا الخُيُوطُ وَالحِبَالُ. وَسُؤْرِ الكِلابِ
(1) أي معنا (إلى)، ومجيء (مِنْ) لانتهاء الغاية، قال به بعض النحويين، ونُسب إلى الكوفيين. واستشهدوا عليه بقول بعض العرب شممت الريحان من الطريق، ورأيت الهلال من خلل السحاب. فـ (من) هنا لانتهاء الغاية؛ لأن الشم لم يبتدئ من الطريق والرؤية لم تبتدئ من خلل السحاب، وإنما ابتدءا من غيرها وانتهيا إليهما.
(2)
انظر: "صحيح مسلم بشرح النووي" 15/ 39.
(3)
من (م).
وَمَمَرِّهَا فِي المَسْجِدِ" وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: "إِذَا وَلَغَ فِي إِنَاءٍ لَيْسَ لَهُ وَضُوءٌ غَيْرُهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ" وَقَالَ سُفْيَانُ: "هَذَا الفِقْهُ بِعَيْنِهِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وَهَذَا مَاءٌ، وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ، يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ".
[فتح: 1/ 272]
(باب: الماء الذي يغسل به شعر الإنسان) أي: باب بيان حكمه، أهو طاهر أم لا؟
(وكان عطاء بن أبي رباح لا يرى به) أي: بالانتفاع بشعور الناس التي تحلق بعد غسلها بمنى. (بأسًا) وفي نسخة: "لا يرى بأسًا" بإسقاط به. (أن يتخذ) محله: (1) جُر على الأول، بدل من ضمير به، ونصبه على الثانية بدل من (بأسًا). (منها) أي: من الشعور، وفي نسخة:"منه" أي: من الشعر. (الخيوط والحبال) يفترقان بالرقة والغلظ، وأراد البخاري بكلام عطاء: الرد على من نجس شعر الإنسان بانفصاله؛ لاقتضائه تنجس الماء المنفصل معه؛ إذ لو كان نجسًا لما اتخذ منه الخيوط والحبال.
(وسؤر الكلاب وممرها في المسجد) بالجرِّ فيهما؛ عطف على الماء في الترجمة، والسؤر بالهمز وبتركه على قلة: بقية مما في الإناء بعد الشرب، وفي نسخة: بعد لفظ: (في المسجد)"وأكلها" بإضافة المصدر إلى الفاعل وأكلها الشيء في المسجد، والمراد بأكلها: محله فيصير المعنى: بيان حكم الماء. . . إلخ، وحكم الثلاثة حكمها عند الشافعي أنها نجسة، لكن محله في السؤر إذا نقص عن قلتين، وفي الممر إذا لم يخل عن رطوبة، وحينئذ لا فرق في تنجسهما، بل في تنجس الثلاثة بين كونها في المسجد وغيره. (قال الزهري) هو: محمد
(1) أي: المصدر المؤول.
ابن مسلم بن شهاب، كما مرَّ. (إذا ولغ) أي:"الكلب" كما في نسخة. (في إناء) أي: فيه ماء، وفي نسخة:"في الإناء" أي: الذي فيه ماء. (ليس له) أي: لمريد الوضوء. (وَضوء) بفتح الواو على المشهور. (غيره) بالرفع والنصب أي: غير ما ولغ فيه، والجملة المنفية صفة لإناءٍ على النسخة الأولى، وحال من الإناء على الثانية. (يتوضأ) جواب إذا. (به) أي: بالوضوء، وفي نسخة:"بها" أي: بالمطهرة، أي بالماء الذي فيها، وفي أخرى:"منه".
(وقال سفيان) أي: الثوري. (هذا) أي: الحكم بأنه يتوضأ مما ذكر. (الفقه بعينه) أي: هو المستفاد من القرآن، كما أشار إليه بقوله:(يقول الله) وفي نسخة: "لقول الله تعالى": ({فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا})[المائدة: 6]؛ لأن قوله (ماء) نكرة في سياق النفي فتعم، وفي نسخة:"فإن لم تجدوا فتيمموا" وهي خلاف التلاوة فهو سبق قلم، أو رواه سفيان بالمعنى، ولعله كان يرى جواز ذلك.
(وهذا) أي: ما ذكر، وفي نسخة:"فهذا". (ماء) أي: فتوضأ به، وتنجسه بالولوغ ليس متفقًا عليه (وفي النفس منه شيءٌ) من تتمة كلام سفيان، وإنما قاله مع أنه في القرآن، لعدم ظهور دلالته عليه عنده، أو لوجود معارض من القرآن أو غيره، فالاحتياط ما ذكره بقوله:(يتوضأ به) في نسخة: "منه". (ويتيمم) لأن الماء المشكوك فيه كالعدم، والواو بمعنى: ثم (1)؛ لأن التيمم بعد الوضوء قطعًا كذا قيل. ولك أن تقول من قبل الشافعي الشك مُنْتفٍ، لأن ما ولغ فيه الكلب إن بلغ قلتين فطاهر أو لا فنجس، ولو سلم الشك فالقول بأن المشكوك فيه كالعدم يقتضي
(1) مجيء الواو بمعنى: ثم، كما قال به بعض النحاة وقد ردّه الجمهور.
الاقتصار على التيمم، وقد يجاب عنه: بأن المشبه لا يلزم أن يكون مساويًا للمشبه به من كلِّ وجه، والقول: بأن التيمم بعد الوضوءِ قطعًا فيه نظر؛ إذ الفرض أن الماء كالعدم. وبذلك علم أن في الجمع بين الوضوءِ والتيمم نظرًا؛ حتى زعم بعضهم: أن الأولى أن يريق ذلك الماء ثم يتيمم.
170 -
حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبِيدَةَ "عِنْدَنَا مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَصَبْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنَسٍ أَوْ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ أَنَسٍ" فَقَالَ: لَأَنْ تَكُونَ عِنْدِي شَعَرَةٌ مِنْهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
[171 - فتح: 1/ 273]
(إسرائيل) أي: ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (لعبيدة) بفتح العين، وكسر الموحدة: ابن عمرو، أو ابن قيس بن عمرو السلماني بفتح السين وسكون اللام.
(عندنا) أي: شيء، (من شعر النبي) فشيءٌ المقدر مبتدأ خبره:(عندنا) أو لا يقدر شيء، وتجعل (مِنْ) قائمة مقام بعض، فتكون مبتدأ (1). (من قبل أنس، أو من قبل أهل أنس) بكسر القاف وفتح الموحدة فيهما، أي: من جهته، أو من جهتهم.
(لأن تكون عندي شعرة منه) لام (لأن تكون) لام الابتداء، والمجموع مسبوك بمصدر، وهو مبتدأ خبره:(أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها) أي: من متاعها، وفي نسخة:"أحبُّ إليَّ من كل صفراء وبيضاء" وبكلِّ حالٍ يجوز في (تكون) أن تكون تامة وناقصة بجعل (عندي) خبرها (2).
(1) هذا القول غريب ولم يقل به أحد، إذ لم يُعهد في شيء من حروف الجر أن يكون مبتدأ أو فاعلًا إلا الكاف وحدها، أما غيرها فلا.
(2)
وهذا أولى من جعلها ناقصة.
ووجه دلالة ذلك على الترجمة: أنه لو لم يكن الشعر طاهرًا لما حفظه أنس ولما كان عند عبيدة أحبَّ إليه مما ذكر، وإذا كان طاهرًا فالماء الذي يغسل به طاهر.
171 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ".
[انظر: 170 - مسلم: 1305 - فتح: 1/ 273]
(قال: أخبرنا) في نسخة: "قال: حدثنا". (عن أنس) في نسخة: "عن أنس بن مالك".
(أن رسول الله) في نسخة: "أن النبيَّ". (كان أبو طلحة) هو زيد بن سهل بن الأسود الأنصاري. (أول من أخذ من شعره) هو محل دليل الترجمة؛ إذا لو لم يكن شعره طاهرًا لما أخذه وأقره النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأصل عموم الأحكام له صلى الله عليه وسلم ولغيره حتى تثبت الخصوصية بدليل.
[باب إِذَا شَرِبَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا]
(باب: إذا شرب الكلب في إناءِ أحدكم فليغسله سبعًا) هذا ساقط من نسخة، وعُدِّي فيه (شرب) بفي؛ تبعًا للحديث بتضمين (شرب) معنى: ولغ.
172 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا شَرِبَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا".
[مسلم: 271 - فتح: 1/ 274]
(قال: إذا شرب الكلب في) في نسخة: "من" بدل (في) وعليها فلا تحتاج إلى التضمين السابق، وفي ذلك دليلٌ على نجاسة بقية أعضاءِ
الكلب؛ لأن الطهارة إما عن حدث وهو منتفٍ، أو عن نجس وهو المدعي، وإذا كان فمه الذي هو أطيب أجزائه -بل هو أطيب الحيوان نكهة؛ لكثرة ما يلهث- نجسًا فبقيتها أولى، وعلى أنه لا فرق في الكلب بين المعلم وغيره، ولا بين البدوي والحضري، والسبع، كافية مع الترتيب المذكور في مسلم (1) للتطهير سواء اتحد الولوغ، أم تعدد من كلب، أو كلاب على الأصح عند الشافعي، ثم محل التنجيس بما ذكر إذا كان الماء دون القلتين، وإلا فلا تنجيس ما لم يتغير.
173 -
[حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَّ رَجُلًا رَأَى كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ، فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ".][2363، 2466، 6009 - مسلم: 2244 - فتح: 1/ 278]
(إسحق) هو ابن منصور بن إبراهيم الكوسج. (عن أبي صالح) هو ذكوان الزيات.
(أن رجلًا) أي: من بني إسرائيل. (يأكل الثرى) بالمثلثة أي: التراب الندي. (يغرف له به) استدلَّ به البخاري على طهارة سؤر الكلب؛ لأن ظاهره أنه سقى الكلب منه. ورُدَّ بأن الاستدلال به مبنيٌّ على أن شرعَ مَنْ قبلنا شرع لنا، وفيه خلاف، ولو قلنا به لكان محله فيما لم ينسخ، ومع التسليم لا يتم الاستدلال به؛ لاحتمال أن يكون صبَّ في شيءٍ فسقاه، أو غسل خفه بعد ذلك؛ أو لم يلبسه (حتى أرواه) أي: جعله ريانًا.
(فشكر الله له) أي: أثنى عليه أي: جازاه على ما أولى الكلب من
(1)"صحيح مسلم"(279) كتاب: الطهارة، باب: حكم ولوغ الكلب.
المعروف. ومحله: في كلب محترم، وعليه يحمل خبر:"في كلِّ كبدٍ حراء أجر"(1) قال النووي: المحترم يحصل الثواب بالإحسان إليه لا غير المحترم، كالحربي والكلب العقور، فيمتثل أمر الشارع في قتله (2). (فأدخله الجنة) من عطف الخاص على العام، أو الفاء تفسيريه، نحو:{فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54] على تفسير التوبة بقتل النفس.
174 -
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:"كَانَتِ الكِلابُ تَبُولُ، وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي المَسْجِدِ، فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ".
[فتح: 1/ 278]
(وقال أحمد بن شبيب) بفتح المعجمة وكسر الموحدة: هو ابن سعيد التيميُّ، وفي نسخة قبل هذا الباب:"إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا" ومثبتها هو المسقط مما مرَّ. (يونس) هو: ابن يزيد الأيلي. (في المسجد) أي: النبوي، و (في) تنازع فيها تقبل وتدبر، على معنى أنها متعلقة بأحدهما، أو حال من فاعله.
(فلم يكونوا يرشون) في نسخة: "فلم يكن يرشون"، وفي أخرى:"فلم يرشوا"، وفي الأوليين: مبالغة ليست في الثالثة، كما في قوله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} [الأنفال: 33] حيث لم يقل: وما يعذبهم، وكذا في لفظ: الرش حيث اختاره على لفظ: الغسل؛ لأن
(1) رواه ابن ماجه (3686) كتاب: الأدب، باب: فضل صدقة الماء، وأحمد 4/ 175، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 1/ 276 (1032، 1031)، والطبراني 7/ 131 (6598). من حديث سراقة بن جعشم، والحديث صححه الألباني: انظر: "صحيح ابن ماجه".
(2)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 14/ 241.
الرش ليس فيه جريان الماء، بخلاف الغسل، فإنه يشترط فيه الجريان، فنفي الرش أبلغ من نفي الغسل، وقوله:(شيئًا) عام؛ لأنه في سياق النفي، وكلُّ ذلك للمبالغة في طهارة سؤر الكلب؛ إذ في مثل هذه الصورة الغالب أن لعابه يصل إلى بعض أجزاء المسجد.
وأجيب: بأن طهارة المسجد متيقنة، وما ذُكِرَ مشكوك فيه، واليقين لا يُرفع بالشك، ثم إن دلالته لا تعارض دلالة منطوق الحديث الوارد بالغسل من ولوغه.
175 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ فَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِذَا أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ" قُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ؟ قَالَ: "فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ".
[2054، 5475، 5476، 5477، 5483، 5484، 5485، 5486، 5487، 7379 - مسلم 1929 - فتح: 1/ 279]
(حفص بن عمر) أي: ابن الحارث بن سَخْبرة النمري.
(سألت النبيَّ صلى الله عليه وسلم) أي: عن حكم صيد الكلاب. (فقال) في نسخة: "قال". (المعلم) هو: الذي ينزجر بالزجر، ويسترسل بالإرسال ولا يأكل منه، وتكرر ذلك منه مرارًا بحيث يغلب على الظنِّ تأدبه بها ويرجع في ذلك لأهل الخبرة، وقيل: يشترط ثلاث مرات، ولا فرق في ذلك بين الأسود وغيره، خلافًا للإمام أحمد: حيث منع صيد الأسود محتجًا بأنه شيطان.
(فقتل) أي: الصيد، وخرج بقتله ما فيه حياة مستقرة، فلا بد من ذكاته. (فإنما سميت على كلبك ولم تسَمِّ على كلبٍ آخر) ظاهره: وجوب التسمية، حتى لو تركها ولو سهوًا لم تحلّ، وهو قول الظاهرية، وقال الحنفية والمالكية: يجوز تركها سهوًا لا عمدًا، واحتجوا
بالحديث، وبقوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] وقال الشافعية: إنها سنة فلو تركها عمدًا، أو سهوًا حلَّ، وأجابوا عن ذلك: بحديث البخاري عن عائشة: قلت: يا رسول الله، إن قومًا حديثو عهد بجاهلية أتونا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه، أم لم يذكروا، أنأكل منه أم لا؟ فقال:"اذكروا اسم الله وكلوا"(1)، فلو كان واجبًا لما جاز الأكل مع الشك، وأما النهي في حديث ابن حاتم: فمحمول على كراهة التنزيه [كما حمل الأمر في حديث أبي ثعلبة: "ما صدت بكلبك المعلم فاذكر اسم الله](2) ثم كل" (3) على الندب، وأما الآية: ففسر الفسق فيها بما أُهل لغير الله به، ووجه بأن قوله:{وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]، ليس معطوفًا؛ لأن الجملة الأولى: فعلية إنشائية، والثانية: خبرية (4)، ولا يجوز أن يكون جوابًا لمكان الواو فتعين كونها حالية، فيتقيد النهي بحال كون الذبح فسقًا، والفسق في الذبيحة يفسر في القرآن بما أُهِلَّ لغير الله به، فتكون الآيةُ دليلًا لنا لا علينا.
(1) سيأتي برقم (7398) كتاب: التوحيد، باب: السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها.
(2)
من (م).
(3)
سيأتي برقم (5478) كتاب: الذبائح والصيد، باب: صيد القوس.
(4)
اختلف النحاة في عطف الخبرية على الإنشائية وبالعكس، على قولين: أحدهما: - أنه ممتنع، وهذا مذهب الزمخشري، وابن عصفور، وابن مالك، وهشام، والسيوطي، والبيانيين.
الثاني: أنه جائز. وهذا مذهب جماع، منهم الملقى، والصفار. واستدل هؤلاء على جوازه بقوله تعالى:{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} وقوله: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} فكل منهما إنشائية عُطفت على ما قبلها وهي خبرية.
ومرجع الخلاف بين القولين السابقين خلافهم في اشتراط التناسب بين الجملتين المتعاطفتين فمن اشترط التناسب منع هذا العطف، وهم أصحاب القول الأول، ومن لم يشترط التناسب فقد أجازه وهم أصحاب القول الثاني.