الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجواز، لا يقال أن ذلك من تعارض النفي والإثبات، فيقدم الإثبات؛ لأنا نقول: إنَّ ذلك في النفي المحصور، وهنا غير محصور.
55 - بَابٌ: مِنَ الكَبَائِرِ أَنْ لَا يَسْتَتِرَ مِنْ بَوْلِهِ
.
(باب: من الكبائر أن لا يستتر من بوله) الكبائر: جمع كبيرة، وهي ما أوجب حدًّا، أو ما توعد عليه بخصوصه، على ما بينته في غير هذا الكتاب.
216 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ، أَوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ" ثُمَّ قَالَ: "بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ". ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ، فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ:"لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا" أَوْ: "إِلَى أَنْ يَيْبَسَا".
[218، 1361، 1378، 6052، 6055 - مسلم: 292 - فتح: 1/ 317]
(عثمان) أي: ابن أبي شيبة. (جرير) أي: ابن عبد الحميد.
(منصور) أي: ابن المعتمر. (عن مجاهد) أي: ابن جبر.
(بحائط) أي: بستان من النخل عليه جدار. (من حيطان المدينة، أو مكة) شكٌّ من جرير، ورواه البخاري في "الأدب المفرد" بلفظ:(من حيطان المدينة)(1) بالجزم. (في قبورهما) عبر بالجمع في موضع التثنية لا من اللبس، وإلا فالتثنية في مثله أكثر؛ لأن المضاف إذا لم يكن جزء المضاف إليه فالأكثر التثنية، نحو: سَلَّ الزيدان سيفيهما، ويجوز فيه الجمع إن أمن اللبس، وإن كان جزءه جاز إفراده وجمعه وهو أجود كما
(1)"الأدب المفرد" ص 347 (965) باب: ما يقول الرجل إذا خدرت رجله.
في {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، وجاز تثنيته وهي وإن كانت الأصل، قليلة الاستعمال. (وما يعذبان في كبير) أي: عند الناس؛ لعدم المشقة عليهم في الاحتراز عنه. (ثم قال: بلى) هي إيجابٌ للنفي، أي: بلى لا يعذبان في كبير، أي: عند الله؛ لعظم إثمه، فهو مع ما قبله نظير قوله تعالى:{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15]، وفي نسخة: بدل (بلى): "بل".
(لا يستتر من بوله) يعني: لا يتنزه عنه، بدليل روايته في نسخة بلفظ:"لا يستبرئ" أي: لا يستفرغ البول جهده بعد فراغه منه. (يمشي بالنميمة) وهي نقل كلام الناس بعضهم لبعض بقصد الإفساد. (كسرتين) بكسر الكاف: تثنية كِسرة، وهي القطعة من الشيءِ المكسور. (لعله أن) شبه لعلَّ بعسى، فقرنها بأن. (عنهما) في نسخة:"عنها"، أي: عن النفس.
(ما لم تيبسا) بمثناة فوقية، بالتأنيث؛ باعتبار عود الضمير إلى الكسرتين، وبمثناة تحتية، بالتذكيرة باعتبار عود الضمير إلى العودين؛ لأن الكسرتين عودان، وفي نسخة:"إلا أن ييبسا"، وفي أخرى:"إلى أن ييبسا"، والباءُ في الجميع مفتوحة، من باب: علم، يعلم، وقد تكسر في لغة شاذة.
ثم ما ذكر كان بالوحي، كما قاله المازري وردَّه بأنه: لو كان بالوحي لما أتي بحرف الترجي.
أجيب عنه: بأن لعل هنا للتعليل (1)، أو أنه شفع لهما في
(1) كون (لعل) للتعليل أثبته الكسائي والأخفش وحملا على ذلك قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} وقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} .
وقال الأخفش: قوله تعالى: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} نحو قول الرجل لصاحبه: