الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11 - بَابُ فَضْلِ العَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: "وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ: أَيَّامُ العَشْرِ، وَالأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ:"يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا" وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ.
(باب: فضل العمل في أيام التشريق) وهي الثلاثة بعد يوم العيد، سميت بذلك؛ لأن لحوم الأضاحي كانت تشرق فيها بمنى أي: تقدَّد، ويبرز بها للشمس، وقيل: يوم العيد من أيام التشريق، فتكون أيامه أربعة، وعلى الأول إنَّما لم يسم يوم النحر منها؛ لأن له اسمًا خاصًّا وهو يوم النحر، وإلا فالمعنى السابق لها يشمله.
({واذكرو الله في أيام معلومات}) في نسخة: " {ويذكروا الله في أيام معدودات} " وفي أخرى: "ويذكروا اسم الله في أيام معلومات" وهذه موافقة لما في الحج، واللاتي قبلها لا يوافق شيء منها التلاوة؛ إذ الأولى في البقرة بلفظ: معدودات، لا معلومات، لكن ابن عباس لم يرد التلاوة، وإنما مراده تفسير المعلومات، والمعدودات، فقال: الأيام المعلومات: أيام عشر ذي الحجة. (والأيام المعدودات أيام التشريق) هي الحادي عشر: المسمى بيوم القر بفتح القاف؛ لأن الحجاج يقرون فيه بمنى، والثاني عشر المسمى بيوم النفر الأول؛ لأن من تعجل ينفر فيه، والثالث عشر المسمى بيوم النفر الثاني، ويقال للثلاثة: أيام منى؛ لأن غالب الحجاج يقيمون فيها بمنى.
(وكان ابن عمر، وأبو هريرة .. إلخ) اعترض بأن هذا لا يناسب
الترجمة بالعمل في أيام التشريق، وأجاب الكرماني: بأن عادة البخاري أن يضيف إلى الترجمة ما له أدنى ملابسة استطرادًا أي: وهي مساواة أيام العشر لأيام التشريق فيما يقع فيهما من أعمال الحج. (وكبر محمَّد بن علي) أي: ابن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالباقر. (خلف النافلة) أي: الواقعة في يوم عرفة، وما بعده إلى عصر آخر أيام التشريق على ما يأتي بيانه، مع بيان أن الفريضة، كالنافلة في الباب الآتي.
969 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، قَال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:"مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟ " قَالُوا: وَلَا الجِهَادُ؟ قَال: "وَلَا الجِهَادُ، إلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ".
[فتح: 2/ 457]
(عن سليمان) أي: الأعمش.
(ما العمل) أي: التكبير، وغيره من أعمال الحج. (في أيام) في نسخة:"في أيام العشر". (أفضل منها) أي: من الأعمال المفهومة من العمل. (في هذه) أي: أيام التشريق، فالعمل مبتدأ. (وفي أيام) متعلق به و (أفضل) خبر المبتدإِ، و (منها) تتعلق بـ (أفضل)، والضمير للعمل بتقدير الأعمال، كما في:{أَو الطِّفْلِ الَّذِينَ} ، وقضية ذلك: نفي أفضلية العمل في أيام العشر على العمل في أيام التشريق أفضل منه في غيرها، وإن صدق لغة بتساويهما، وسر ذلك: أن العبادة في أوقات الغفلة أفضل من غيرها، وأيام التشريق أيام غفلة غالبًا، فصار للعابد فيها مزيد فضل على العابد في غيرها، كمن قام في جوف الليل، وأكثر الناس نيام، كذا قيل أخذًا من الرواية المذكورة، لكنها شاذة كما قال شيخنا، قال: هو معارض بالمنقول، فقد رواه الحافظ أبو ذر في نسخة من
البخاري بلفظ: "ما العمل في أيام أفضل منها في هذا العشر"(1) وكذا رواه جمع منهم أبو داود الطيالسي، والدرامي، وابن ماجه (2)؛ بهذا ظهر أن المراد بالأيام في حديث الباب: أيام عشر ذي الحجة، لكنه استشكل على ترجمة البخاري بأيام التشريق، وأجيب: بأن الشيء يشرف بمجاورته للشريف وأيام التشريق تلي أيام العشر، وقد ثبت بذلك فضل أيام العشر فثبت به فضل أيام التشريق، وبأن عشر ذي الحجة إنما شرف؛ لوقوع أعمال الحج فيه، وبقية أعمال الحج تقع في أيام التشريق، فصارت مشتركة معها في أصل الفضل، وأنت خبير بأن الجواب بذلك إنما يقتضي إلحاق أيام التشريق بأيام العشر في الفضل، لكن الترجمة تقتضي تفضيل أيام التشريق على أيام العشر، والمنقول يقتضي العكس، وعليه: فإذا كان العمل في أيام العشر أفضل منه في أيام غيره، لزم منه أن تكون أيام العشر أفضل من غيرها من أيام السنة وأيد ذلك بما رواه البزار وغيره مرفوعًا:"أفضل الدينا أيام العشر" وبأن أيام العشر تشتمل على يوم عرفة، وقد روي أنه أفضل أيام الدنيا.
والأيام يتبعها الليالي، وزعم بعضهم: أن ليالي عشر رمضان أفضل من ليالي العشر؛ لاشتمالها على ليلة القدر، واستبعده الحافظ
(1)"مسند الطيالسي" 1/ 342 ورواه الدارمي 2/ 19 (1773) كتاب: الصوم، باب: في فضل العمل في العشر، وابن ماجه (1728)، كتاب: بالصيام، باب: صيام العشر. والبيهقي 4/ 284 كتاب: الصيام، باب: العمل الصالح في العشر.
(2)
"الفتح" 2/ 459.
ابن رجب بخبر: "قيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر"(1) وبأن عشر رمضان أفضل بليلة واحدة، وهذا جميع لياليه متساوية في الفضل. هذا والتحقيق ما قيل: أن العشر أفضل من مجموع عشر رمضان، وإن كان في عشره ليلة لا يفضل عليها غيرها، لقوله تعالى {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)} [القدر: 3].
(ولا الجهاد) زاد في نسخة: "في سبيل الله". (إلا رجل) في نسخة: "إلا من" وكل منهما على حذف مضاف أي: إلا جهاد رجل، أو من (خرج يخاطر .. إلى آخره) فهو أفضل من غيره، أو مساوٍ له، و (يخاطر) من المخاطرة، وهي ارتكاب ما فيه خطر. (بنفسه وماله فلم يرجع بشيء) أي: منهما إن قتل شهيدًا، أو من ماله إن رجع سالمًا، فعلى الأول النفي راجع إلى القيد والمقيد معًا، وعلى الثاني إلى القيد فقط.
(1) رواه الترمذي (758) كتاب: الصوم، باب: ما جاء في العمل في أيام العشر، وابن ماجه (1728) كتاب: الصيام، باب: صيام العشر.
وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث مسعود بن واصل عن النهاس، وقال: وسألت محمدًا عن هذا الحديث فلم يعرفه من غير هذا الوجه مثل هذا، وقد روي عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا شيء من هذا وقد تكلم يحيى بن سعيد في نهاس بن قهم، من قبل حفظه.
ورواه ابن الجوزي في العلل المتناهية 2/ 72 (925) كتاب: الصوم. وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرد به مسعود به ابن واصل عن النهاس فأما مسعود فضعفه الطيالسي، وأما النهاس فيضرب الحديث، تركه يحيى القطان، وقال يحيى ابن معين: ليس بشيء ضعيف وقال ابن عدي: لا يساوي شيئًا، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به.