الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
82 - بَابُ مَوْعِظَةِ المُحَدِّثِ عِنْدَ القَبْرِ، وَقُعُودِ أَصْحَابِهِ حَوْلَهُ
{يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ} [القمر: 7] الأَجْدَاثُ: القُبُورُ، {بُعْثِرَتْ} [الانفطار: 4]: أُثِيرَتْ، بَعْثَرْتُ حَوْضِي: أَيْ جَعَلْتُ أَسْفَلَهُ أَعْلاهُ، الإِيفَاضُ: الإِسْرَاعُ وَقَرَأَ الأَعْمَشُ: (إِلَى نَصْبٍ): إِلَى شَيْءٍ مَنْصُوبٍ يَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ " وَالنُّصْبُ وَاحِدٌ، وَالنَّصْبُ مَصْدَرٌ {يَوْمُ الخُرُوجِ} [ق: 42]: مِنَ القُبُورِ {يَنْسِلُونَ} [الأنبياء: 96]: يَخْرُجُونَ".
(باب: موعظة المحدِّث عند القبر وقعود أصحابه حوله) الموعظة مصدر ميمي، يقال: وعظ موعظة، وعظة ووعظاء: وهو النصح والإنذار بالعواقب، و (المحدِّث) بفتح الحاء، وتشديد الدال: الواعظ، وفائدة قعود أصحابه حوله: سماع الموعظة، والتذكير بالموت، وأحوال الآخرة، وهذا مع ما انضم إليه من مشاهدة القبور، وتذكر أصحابها، وما كانوا عليه، وما صاروا إليه من أنفع الأشياء؛ لجلاء القلوب.
وينفع الميِّت أيضًا؛ لما فيه من نزول الرّحمة عند قراءة القرآن والذكر، ثمّ استطرد البخاريّ بذكر تفسير بعض ألفاظ من القرآن على عادته مناسبة لما ترجم له؛ تكبيرًا للفائدة فقال في قوله تعالى:{يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} [القمر: 7]، معنى (الأجداث: القبور) في قوله تعالى: {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} [الانفطار: 4]، معنى:({بُعْثِرَتْ}: أثيرت) بمثلثة، ومن الإثارة من قول جمهور أهل اللُّغة (بعثرت حوضي، أي: جعلت أسفله أعلاه)، وقيل: معناه حُركت فخرج ما فيه من الأموات وقيل: نحيتُ.
وفي قوله: {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج: 43]، بالإيفاض الّذي هو مصدر أوفض يوفض إيفاضًا معناه: الإسراع، فمعنى {يُوفِضُونَ}: يسرعون، وقرأ الأعمش وفاقًا للقراء إلا ابن عامر وحفصًا ({إِلَى نُصُبٍ}) بفتح النون، وسكون الصاد، وفي نسخةٍ: بضم النون، وسكون الصاد، وزاد في أخرى:"يوفضون" ثمّ فسر ({إِلَى نُصُبٍ}) بقوله: (إلى شيء منصوب يستبقون إليه)، أي: إلى علم نصبوه؛ ليعبدوه حال كون كلٍ منهم طالبًا أن يسلمه أولًا، والنصب بضم النون وسكون الصاد، وفي نسخةٍ: بضمها، وهو قراءة ابن عامر وحفص.
(واحد) أي: مفرد، كما يكون جمعًا، وإن كان الوزن واحدًا، كما في قفل، و (النصب) بالفتح فالسكون مصدر، يقال: نصبت الشيء نصبًا أقمته، وقال في قوله تعالى:{يَوْمُ الْخُرُوجِ} في قوله: {ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} معناه: يوم الخروج (من قبورهم)، وفي قوله تعالى:{يَنْسِلُونَ} [الأنبياء: 96]، في قوله:{وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء: 96]، معناه:(يخرجون)، أي: بسرعة.
1362 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، قَال: حَدَّثَنِي جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَال: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الغَرْقَدِ، فَأَتَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ، ثُمَّ قَال:"مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا قَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً" فَقَال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ العَمَلَ؟ فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، قَال:"أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ" ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى} [الليل: 6] الآيَةَ.
[4945، 4946، 4947، 4948، 4949،
6217، 6605، 7552 - مسلم: 2674 - فتح: 3/ 225]
(حَدَّثَنَا) في نسخة: "حدثني". (عثمان) أي: ابن محمّد بن أبي شيبة. (حدثني) في نسخةٍ: "حَدَّثَنَا". (جرير) أي: ابن عبد الحميد الضبي. (عن منصور) أي: ابن المعتمر (عن أبي عبد الرّحمن) هو عبد الله بن حبيب.
(بقيع) بفتح الموحدة (الغرقد) بفتح المعجمة، وسكون الراء: ما عظم من شجر العوسج كان في البقيع، وهو مدفن أهل المدينة. (مخصرة) بكسر الميم، وسكون الخاء المعجمة، وبالصاد المهملة: ما يتوكأ عليه، كالعصى، وسميت بذلك؛ لأنها تحمل تحت الخصر غالبًا؛ للاتكاء عليها. (فنكس) بتخفيف الكاف، وتشديدها، أي: خفض رأسه وطأطأه إلى الأرض على هيئة المهموم المفكر. (ينكت) بمثناة فوقية. (بمخصرته) أي: يضرب بها في الأرض، فيؤثر فيها. (ما منكم من أحدٍ، ما من نفس منفوسة) أي: مخلوقة، والثّاني بدل من الأوّل، أو عطف بيان له. (إلا كتب) بالبناء للمفعول. (مكانها) بالرفع [نائب الفاعل. (من الجنَّة والنار) من بيانية، والواو بمعنى: أو وهي للتنويع (وإلَّا) في نسخة: "إلا"](1) بحذف الواو. (قد كتبت شقية، أو سعيدة) بنَصبهما على الحال، وبرفعهما على الخبرية بمبتدإٍ محذوف. (وإلا) عطف على (إلا) الأولى. فتكون مع الّتي قبلها من باب اللف والنشر المرتب، بأن تكون (إلا) الأولى راجعة إلى (ما من أحد) والثّانية: إلى (ما من نفس) وإنّما قدم الجنَّة على النّار في الأولى، وأخر السعيد عن الشقي في الثّانية، مع أن مناسبة التركيب تقديم السعيد
(1) من (م).
في الثّانية؛ لأنه قصد أن يكون مطلع الكلام ومقطعه متفقين معنًى فيما يخص المؤمنين.
(فقال رجل) هو علي كما ذكره البخاريّ في التفسير، أو سراقة بن مالك، كما في مسلم (1)، أو عمر، كما في التّرمذيّ (2). (نتكل) أي: نعتمد. (على كتابنا) ما كتب علينا وقدر. (فقال: أما أهل الشقاوة إلى آخره) حاصل السؤال: ألا نترك مشقة العمل فإنا سنصير إلى ما قدر علينا، فلا فائدة في العمل، وحاصل الجواب: لأن مشقة، لأن كلّ أحدٍ ميسر لما خلق له، وهو يسير على من يسره الله عليه.
قال الطيبي: الجواب من أسلوب الحكيم، فإنّه منعهم من الاتكال، وترك العمل، وأمرهم بالتزام ما يجب على العبد من العبودية، أي: إياكم والتصرف في الأمور الإلهية، فلا تجعلوا العبادة وتركها سببًا لدخول الجنَّة والنار، بل إنهما علامات لهما فقط {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الآية [الليل: 5]، أي: فأمَّا من أعطى الطّاعة، واتقى المعصية، وصدق بالكلمة الحسني، وهي ما دلت على حق، ككلمة التّوحيد، فسنهيئه للخلة الّتي تؤدي إلى يسر وراحة، كدخول الجنَّة، وأما من بخل بما أمر به، واستغنى بشهوات الدنيا عن نعيم العقبى، فسنهيئه للخلة المؤدية إلى العسر والشدة، كدخول النّار، وزاد في نسخةٍ بعد واتقى:"وصدق بالحسني".
(1)"صحيح مسلم"(2648) كتاب: القدر، باب: كيفية الخلق الآدمي.
(2)
"سنن التّرمذيّ"(2135) كتاب: القدر، باب: ما جاء في السعادة والشقاوة.
قال التّرمذيّ: هذا حديث حسن صحيح. وقال الألباني في "صحيح سنن التّرمذيّ" صحيح.