الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
36 - بَابُ رِثَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَعْدَ ابْنَ خَوْلَةَ
(باب:) بالتنوين. (رثى النبي) جملة من فعل وفاعل، وفي نسخة:"باب: رثاء النبي" بإضافة (باب)، وكسر الراء والمد والقصر، وجر النبي صلى الله عليه وسلم. (سعد بن خولة) بنصب سعد، مفعولًا، والمراد بالرثاء هنا: توجعه صلى الله عليه وسلم وتحزنه على سعد؛ لكونه مات بمكة بعد الهجرة، لا ذكر الميت بتعديد محاسنه، الباعث على تهييج الحزن؛ لأنه منهي عنه.
1295 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الوَجَعِ وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إلا ابْنَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَال:"لَا" فَقُلْتُ: بِالشَّطْرِ؟ فَقَال: "لَا" ثُمَّ قَال: "الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ - أَوْ كَثِيرٌ - إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ
= الإنسان، ولكنه حزن ورحمة فهو لا بأس به، كما في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد سعد بن عبادة رضي الله عنه من مرض ألم به فبكى عليه الصلاة والسلام فبكى معه: سعد بن أبي وقاص وعبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه ثم قال: "ألا تسمعون" يعني: اسمعوا "إن اللَّه تعالى لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب" لا يعذب الباكي والحزين الميت "وإنما يعذب بهذا أو يرحم" وأشار إلى لسانه يعني: أن يقول الإنسان قولًا محرمًا فهذا الذي يعذب به الإنسان، فدل ذلك على جواز البكاء على الميت بشرط ألا يكون ندب ولا نياحة، وإنما تأتي به الطبيعة والجبلة، فهذا لا بأس وهو من خلق النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
أَصْحَابِي؟ قَال: "إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إلا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، ثُمَّ لَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ، وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ البَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ" يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ (1).
[انظر: 56 - مسلم: 1628 - فتح: 3/ 164]
(عام حجة الوداع) سميت بذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ودعهم فيها، وسميت أيضًا بالبلاغ؛ لأنه قال لهم: هل بلغت، وبحجة الإسلام؛ لأنها الحجة التي فيها حج المسلمون، ليس فيها مشرك. (بلغ بي من الوجع) أي: غايته. (ولا يرثني) أي: من الورثة الخاصة. (إلا ابنة) اسمها: عائشة، ولم يكن له إذ ذاك سواها، ثم جاء له بعد ذلك أولاد. (بالشطر) أي: بالنصف، وفي نسخة:"فالشطر" بالفاء، والرفع بالابتداء، أي: فالشطر أتصدق به. (ثم قال: الثلث) بالرفع بفعل محذوف، أي: يكفيك الثلث، أو خبر مبتدأ محذوف، أي: المشروع الثلث، أو مبتدأ حذف
(1) قال ابن عثيمين رحمه الله في تعليقه على هذا الحديث في "شرح رياض الصالحين":
وفي هذا الحديث: مشاورة الإنسان لأهل العلم في شئونه؛ لأن سعدًا استشار النبي صلى الله عليه وسلم حينما أراد أن يتصرف بشيء من ماله.
وفيه: أنه ينبغي للمستشير أن يذكر الأمر على ما هو عليه حقيقة ولا يلوذ يمينًا وشمالًا: بل يذكر الأمر حقًّا على ما هو عليه حتى يتبين للمستشار حقيقة الأمر.
وفيه: أنه لا يجوز للإنسان إذا كان مريضًا مرضًا يخشى منه الموت أن يتبرع بأكثر من الثلث من ماله.
وفيه: إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يستحضر نية التقرب إلى اللَّه في كل ما ينفق حتى يكون له في ذلك أجر.
خبره، أي: الثلث كافيك، وبالنصب على الإغراء، أو بفعل مضمر، أي: اعط الثلث. (والثلث كبير) بموحدف (أو كثير) بمثلثة. (أن تذر) بفتح الهمزة، أي: لأن تذر، فمحله: جر، أو هو مبتدأ، فمحله: رفع، وخبره: خير، وبكسرها بجعل (أن) شرطية، وجوابها جملة صدرها مع فاء الجواب محذوف، أي: فهو خير.
(وجه اللَّه) أي: ذاته. (حتى ما تجعل في في امرأتك)(ما): اسم موصول، و (حتى). عاطفة، أي: إلا أجرت بالنفقة التي تبتغي بها وجه اللَّه، حتى بالشيء الذي تجعله في فم امرأتك. (فقلت) في نسخة:"قلت". (أخلف) بضم الهمزة، وفتح اللام المشددة، في نسخة:"أأخلف؟ " بهمزة الاستفهام، أي: أأخلف في مكة؟! (بعد أصحابي) أي: بعد انصرافهم معك.
(إنك لن) في نسخة: "إنك أن". (لعلك أن تخلف) أي: بأن يطول عمرك، وهذا من إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات، فإنه عاش حتى فتح العراق.
(اللهم أمض) بفتح الهمزة، أي: أتمم. (لكن البائس) بموحدة وبالمد أي: الذي عليه أثر البؤس، أي: شدة الفقر والحاجة. (يرثي له) أي: يرق له، ويترحم عليه. (أن مات) بفتح الهمزة، أي: لأن مات بأرض هاجر منها النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: (لكن البائس
…
إلى هنا) مدرج من قول سعد بن أبي وقاص، أو من قول الزهري.
وفي الحديث: استحباب عيادة المريض للإمام وغيره، وإباحة جمع المال، والحث على صلة الرحم، واستحباب الإنفاق في وجوه الخير، وأن المباح إذا قصد به طاعة اللَّه صار طاعة، وإليه أشار بقوله:(حتى ما تجعل في امرأتك) وفيه: كراهة نقل الموتى من بلد إلى بلد، وإلا لأمر بنقل سعد إلى دار الهجرة.