الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(13)
} [الرحمن: 13]، فقد تكررت في هذه السورة إحدى وثلاثين مرة، وقوله تعالى:{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)} [المرسلات: 15]، فقد ذكرت في سورة المرسلات عشر مرات.
ثانيًا: من أمثلة التكرار في السنة:
كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِر. ثَلَاثًا. قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله. قَالَ: "الإِشْرَاكُ بِالله، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ "وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَكِئًا، فَقَالَ: "أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ". قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ". (1)
- وقوله صلى الله عليه وسلم: "هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ". قَالهَا ثَلَاثًا. (2)
- وقوله للرجل الذي قال: له أوصني فقال: "لَا تَغْضَبْ". فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ "لَا تَغْضَبْ". (3)
- وقوله: "وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ". مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. (4)
- وقوله: "هل بلغت؟ ثلاثا"(5)، - وكان من هديه صلى الله عليه وسلم "أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ". (6)
ثالثًا: فوائد التكرار في القرآن:
قال الزركشي: وقد غلط من أنكر كونه من أساليب الفصاحة ظنًا أنه لا فائدة له وليس كذلك؛ بل هو من محاسنها لا سيما إذا تعلق بعضه ببعض، وذلك أن عادة العرب في خطاباتها إذا اهتمت بشيء إرادةً لتحقيقه وقرب وقوعه، أو قصدت الدعاء عليه كررته توكيدًا، وكأنها تقيم تكراره مقام المقسم عليه أو الاجتهاد في الدعاء عليه حيث تقصد الدعاء، وإنما نزل القرآن بلسانهم وكانت مخاطباته جارية فيما بين بعضهم وبعض. وبهذا المسلك تستحكم الحجة عليهم في عجزهم عن المعارضة، وعلى ذلك يحمل ما ورد من
(1) رواه البخاري (2511)، ومسلم (91).
(2)
رواه مسلم (2055).
(3)
رواه البخاري (2267).
(4)
رواه البخاري (33)، ومسلم (214).
(5)
رواه البخاري (47)، ومسلم (618).
(6)
رواه البخاري (48).
تكرار المواعظ والوعد والوعيد؛ لأن الإنسان مجبول من الطبائع المختلفة وكلها داعية إلى الشهوات، ولا يقمع ذلك إلا تكرار المواعظ والقوارع، قال تعالى:
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)} [القمر: 17].
قال الزمخشري: قوله {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)} أي: سهلناه للادكار والاتعاظ؛ بأن شحناه بالمواعظ الشافية، وصرّفنا فيه من الوعد والوعيد {فَهَلْ مِنْ} متعظ، وقيل: ولقد سهلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه، فهل من طالب لحفظه ليعان عليه. (1)
ثم تارة يكون التكرار مرتين كقوله تعالى: {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} [المدثر: 19، 20]، وقوله:{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة: 34، 35]، وقوله:{كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 3، 4] وقوله: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر: 6، 7]، وقد أخبر الله سبحانه بالسبب الذي لأجله كرر الأقاصيص والأخبار في القرآن: فقال: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص: 51]، وقوله:{وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه: 113].
وحقيقة التكرار: إعادة اللفظ أو مرادفه لتقرير معنى خشية تناسي الأول لطول العهد به، فإن أعيد لا لتقرير المعنى السابق لم يكن منه كقوله تعالى:{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: 11 - 15] فأعاد قوله: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14)} بعد: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11)} ؛ لأنه لم يأتِ لتقرير الأول، بل لغرض آخر؛ لأن معنى الأول الأمر بالإخبار أنه مأمور بالعبادة لله والإخلاص له فيها. ومعنى الثاني أنه يخص الله وحده دون غيره بالعبادة والإخلاص، ولذلك قدم المفعول على فعل العبادة في الثاني.
(1) الكشاف للزمخشري (6/ 452).