الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55)} [الزخرف: 55] أحسن من - فلما عاملونا معاملة المغضب، أو فلما أتوا إلينا بما يأتيه المغضب. (1)
3 - القرآن يُورد المعنى الواحد بألفاظ وبطرق مختلفة بمقدرة فائقة:
فيورد القرآن المعنى الواحد بألفاظ وبطرق مختلفة، بمقدرة فائقة خارقة، تنقطع في حلبتها أنفاس الموهوبين من الفصحاء والبلغاء، ولسنا هنا بسبيل الاستيعاب والاستقراء، ولكنها أمثلة تهديك، ونماذج تكفيك. (2)
- منها تعبيره عن طلب الفعل من المخاطبين بالوجوه الآتية:
1 -
الإتيان بصريح مادة الأمر نحو قوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58].
2 -
والإخبار بأن الفعل مكتوب على المكلفين نحو {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183].
3 -
والإخبار بكونه على الناس نحو: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. . .} [آل عمران: 97].
4 -
والإخبار عن المكلف بالفعل المطلوب منه، نحو {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] أي: مطلوب منهن أن يتربصن.
5 -
والإخبار عن المبتدأ بمعنى يطلب تحقيقه من غيره نحو: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] أي مطلوب من المخاطبين تأمين من دخل الحرم.
6 -
وطلب الفعل بصيغة فعل الأمر نحو: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)} [البقرة: 238]، أو بلام الأمر نحو:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} [الحج: 29].
(1) الإتقان في علوم القرآن 2/ 328.
(2)
مناهل العرفان في علوم القرآن 2/ 319.
7 -
والإخبار عن الفعل بأنه خيرٌ نحو: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: 220].
8 -
ووصف الفعل وصفًا عنوانيًا بأنه برّ نحو: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة: 223].
9 -
ووصف الفعل بالفريضة نحو: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ. . .} [الأحزاب: 50] أي من بذل المهور والنفقة.
10 -
وترتيب الوعد والثواب على الفعل نحو: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)} [البقرة: 245].
11 -
وترتيب الفعل على شرط قبله نحو: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196].
12 -
وإيقاع الفعل منفيًا معطوفًا عقب استفهام نحو: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17)} [النحل: 17] أي تذكروا.
13 -
وإيقاع الفعل عقب ترجّ نحو: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].
14 -
وترتيب وصف شنيع على ترك الفعل نحو: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].
ب - ومنها تعبيره عن النهي بالوسائل الآتية:
1 -
الإتيان في جانب الفعل بمادة النهي نحو: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ} [الممتحنة: 9].
2 -
والإتيان في جانبه بمادة التحريم نحو: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].
3 -
ونفي الحِلّ عنه نحو: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء: 19].
4 -
والنهي عنه بلفظ لا، نحو:{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152].
5 -
ووصفه بأنه ليس برًا، نحو:{أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ} [الأنعام: 157].
6 -
ووصفه بأنه شرّ، نحو:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ} [آل عمران: 180].
7 -
وذكر الفعل مقرونًا بالوعيد، نحو:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34].
8 -
وذكر الفعل منسوبًا إليه الإثم، نحو:{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181].
9 -
ونظم الأمر في سلك ما هو بالغ الإثم والحرمة.
10 -
والإخبار عن الفعل بأنه رجس.
11 -
ووصفه بأنه من عمل الشيطان.
12 -
والأمر باجتنابه.
13 -
ورجاء الفلاح في تركه.
14 -
وترتيب مضار مؤذية على فعله.
15 -
والأمر بالانتهاء عنه في صورة الاستفهام، ونمثل لهذه الطرق كلها بتحريم الخمر والميسر في قوله سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة: 90، 91].
وهكذا تجد القرآن يفتنّ في أداء المعنى الواحد بألفاظ وطرق متعددةٍ، بين إنشاء وإخبار، وإظهار وإضمار، وتكلم وغيبة وخطاب، ومضي وحضور واستقبال، واسمية، وفعلية، واستفهام، وامتنان، ووصف، ووعد ووعيد إلى غير ذلك. ومن عجب أنه في تحويله الكلام من نمطٍ إلى نمطٍ كثيرًا ما تجده سريعًا لا يجارى في سرعته. ثم هو على هذه