الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أبو شامة: والحق أن الذي جمع في المصحف هو المتفق على إنزاله المقطوع به المكتوب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه بعض ما اختلف فيه الأحرف السبعة لا جميعها (1).
قال مكي بن أبي طالب: هذه القراءات كلها التي يقرأ بها الناس اليوم، وصحت روايتها عن الأئمة، إنما هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن.
وقال أيضًا: فالمصحف الذي كتب على حرف واحد، وخطه محتمل لأكثر من حرف؛ إذ لم يكن منقوطًا ولا مضبوطًا، فذلك الاحتمال الذي احتمل الخط هو من الستة أحرف الباقية (2).
قال ابن الجزري: وهذا القول هو الذي يظهر صوابه؛ لأن الأحاديث الصحيحة والآثار المشهورة المستفيضة تدل عليه وتشهد له (3).
القول الثاني: بقاء حرف واحد من الأحرف السبعة
.
ذهب البعض إلى أنها لا تشتمل إلا على حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن عليها وهو حرف قريش خاصة.
وذهب إلى هذا القول الطبري، والطحاوي، وابن عبد البر، وابن حبان وغيرهم (4).
الأدلة على ذلك:
واستدلوا على ذلك بقول عثمان رضي الله عنه للقرشيين الثلاثة: (إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ في شيء مِنَ الْقُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ)(5).
واحتجوا: بأن الأحرف السبعة نزلت في صدر الإسلام؛ للتيسير على الأمة ورفع الحرج والمشقة عنها في أمر القراءة، ولما ذللت الألسنة ومرنت على لغة قريش أمرت جميع القبائل بالقراءة بلغة قريش، كما أن القراءة باللغات الكثيرة كانت مثار نزاع وخلاف بين
(1) فتح الباري لابن حجر (8/ 647).
(2)
الإبانة عن معاني القراءات (23 - 24).
(3)
النشر في القراءات العشر (1/ 31).
(4)
مناهل العرفان (1/ 142)، والمصحف الشريف - أبحاث في تاريخه وأحكامه للشيخ عبد الفتاح القاضي (78)، ودراسات في علوم القرآن د/ فهد الرومي (393)، وجمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين للسندي (1/ 59).
(5)
البخاري (3506).
المسلمين، لذلك اقتصر عثمان رضي الله عنه على لغة واحدة، وهي لغة قريش، أما القراءات الموجودة اليوم - على كثرتها وتعددها - فهي كلها تمثل حرفًا واحدًا فقط.
قال الطبري: . . . والآثار الدالة على أن إمامَ المسلمين وأميرَ المؤمنين عثمانَ بن عفان رضي الله عنه جمع المسلمين نظرًا منه لهم، وإشفاقًا منه عليهم، ورأفة منه بهم، حِذارَ الردّةِ من بعضهم بعدَ الإسلامِ، والدّخولِ في الكفر بعد الإيمان؛ إذ ظهر من بعضهم بمحضَره وفي عصره التكذيبُ ببعض الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن، مع سماع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم النهيَ عن التكذيب بشيء منها، وإخباره إياهم أنّ المِراء فيها كفر - فحملهم رحمةُ الله عليه، إذْ رأى ذلك ظاهرًا بينهم في عصره، ولحَدَاثة عهدهم بنزول القرآن، وفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بما أمِنَ عليهم معه عظيم البلاء في الدين من تلاوة القرآن - على حرف واحد.
وجمعهم على مصحف واحد، وحرف واحد، وخَرَّق ما عدا المصحف الذي جمعهم عليه. وعزم على كل من كان عنده مُصحفٌ مخالفٌ المصحفَ الذي جمعهم عليه، أن يخرقه. فاستوسقت (اجتمعت) له الأمة على ذلك بالطاعة، ورأت أنّ فيما فعلَ من ذلك الرشدَ والهداية، فتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامُها العادلُ في تركها، طاعةً منها له، ونظرًا منها لأنفسها ولمن بعدَها من سائر أهل ملتها، حتى دَرَست من الأمة معرفتها، وتعفت آثارها، فلا سبيلَ لأحد اليوم إلى القراءة بها، لدثورها وعُفُوِّ آثارها، وتتابعِ المسلمين على رفض القراءة بها، من غير جحود منها صحتَها وصحةَ شيء منها، ولكن نظرًا منها لأنفسها ولسائر أهل دينها. فلا قراءة للمسلمين اليوم إلا بالحرف الواحد الذي اختاره لهم إمامهم الشفيقُ الناصحُ، دون ما عداه من الأحرف الستة الباقية (1).
(1) تفسير الطبري (1/ 28)، وقد أورد الطبري إشكالًا على هذا القول ثم أجاب عليه فقال: فإن قال بعضُ من ضعفت معرفته: وكيف جاز لهم تَركُ قراءة أقرأهموها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بقراءتها؟
قيل: إنَّ أمرَه إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض، وإنما كان أمرَ إباحة ورخصة؛ لأنّ القراءة بها لو كانت فرضًا عليهم، لوجب أن يكونَ العلمُ بكل حرف من تلك الأحرف السبعة، عند من تقوم بنقله الحجة، ويقطع خبرهُ العذر، ويزيل الشك من قَرَأة (جمع قاريء) الأمة. وفي تركهم نقل ذلك كذلك أوضح الدليل =