الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخبر ولا ينقص عن درجة تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للآية، وعلى التقدير فهو حجة يصار إليه (1).
تعقيب للغزالي على من قال: تعامل معاملة خبر الواحد. قال: فإن قيل: لا ينحط عن خبر الواحد فليعمل به، قلنا: العمل به ينبني على كونه من القرآن، وبطل ذلك، ثم مستندنا في العمل بخبر الواحد سيرة الصحابة وهم لم يعملوا به (2).
قال الزركشي: ويخرج من كلام أبي الحسين في المعتمد مذهب رابع فإنه قال في باب الأخبار: القرآن المنقول بالآحاد إما أن يظهر فيه الإعجاز أولا؛ فإن لم يظهر جاز أن يعمل بما تضمنه من عمل إذا نقل إلينا بالآحاد كقراءة ابن مسعود متتابعات، وإن ظهر فهو حجة للنبوة ولا يكون حجة إلا وقد علم أنه لم يعارض في عصر النبي صلى الله عليه وسلم مع سماع أهل عصره له ولا يعلم ذلك إلا وقد تواتر نقل ظهوره وفي ذلك العصر (3).
6 [*]- الذي يقبل من القراءات والذي لا يقبل
.
قال مكي بن أبي طالب: فإن سأل سائل فقال: فما الذي يقبل من القرآن الآن فيقرأ به، وما الذي لا يقبل ولا يقرأ به، وما الذي يقبل ولا يقرأ به؟
فالجواب أن جميع ما روي في القرآن على ثلاثة أقسام:
قسم يقرأ به اليوم، وذلك ما اجتمع فيه ثلاث خلال، وهي أن ينقل عن الثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون وجهه في العربية التي نزل بها القرآن شائعًا، ويكون موافقًا لخط المصحف. فإذا اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث قرئ به، وقطع على مغيبه وصحته وصدقه؛ لأنه أخذ عن إجماع من جهة موافقة خط المصحف وكفرَ من جحده.
(1) المغني (11/ 273).
(2)
المنخول (283).
(3)
البحر المحيط (1/ 478).
[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: الرقم ليس في المطبوع
والقسم الثاني ما صح نقله عن الآحاد وصح وجهه في العربية، وخالف لفظه خط المصحف؛ فهذا يقبل ولا يقرأ به لعلتين (1):
إحداهما: أنه لم يوجد بإجماع، إنما أخذ بأخبار الآحاد، ولا يثبت قرآن يقرأ به بخبر الواحد.
والعلة الثانية: أنه مخالف لما قد أجمع عليه فلا يقطع على مغيّبه وصحته، وما لم يقطع على صحته لا يجوز القراءة به، ولا يكفر من جحده وبئسما ما صنع إذا جحده.
والقسم الثالث: هو ما نقله غير ثقة، أو نقله ثقة ولا وجه له في العربية.
فهذا لا يقبل، وإن وافق خط المصحف، قال: ولكل صنف من هذه الأقسام تمثيل تركنا ذكره اختصارًا (2).
ثم انبرى المحقق ابن الجزري لذاك التمثيل الذي تركه مكي اختصارًا فقال:
ومثال القسم الأول: (مَالِكِ وَمَلِكِ)، (وَيَخْدَعُونَ وَيُخَادِعُونَ)، (وَأَوْصَى وَوَصَّى)، (ويَطَّوَّعْ وتَطَوَّع) ونحو ذلك من القراءات المشهورة.
مثال القسم الثاني: قراءة عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء: (الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) في {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)} - بحذف لفظ ما خلق -، وقراءة ابن عباس (وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالحَةٍ غَصْبًا. وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا) - بإبدال كلمة (أمام) من كلمة (وراء)، وبزيادة كلمة (صالحة)، وأما الغلام فكان كافرا بزيادة كلمة (كافرًا)، ونحو ذلك مما ثبت بروايات الثقات.
(1) ومعنى هذا: أنه يقبل على اعتبار أنه خبر شرعي يصح الاحتجاج به عند من يرى ذلك وهم الحنفية دون الشافعية، ولا يقرأ به على أنه قرآن، ولا ليوهم القارئُ أحدًا أنه قرآن. قال النويري: "اعلم الذي استقرت عليه المذاهب وآراء العلماء أن من قرأ بها أي - الشواذ - غير معتقد أنها قرآن ولا موهم أحدًا ذلك لما فيها من الأحكام الشرعية عند من يحتج بها أو الأحكام الأدبية؛ فلا كلام في جواز قراءتها. وعلى هذا يحمل حال من قرأ بها عند المتقدمين. وكذلك أيضًا يجوز تدوينها في الكتب والتكلم على ما فيها. وإن قرأها باعتقاد قرآنيتها أو لإيهام قرآنيتها حرم ذلك. ونقل ابن عبد البر في تمهيده إجماع المسلمين عليه اهـ. مناهل العرفان في علوم القرآن (1/ 344).
(2)
الإبانة عن معاني القراءات 40: 39.
ومثال القسم الثالث: مما نقله غير ثقة كثير مما في كتب الشواذ مما غالب إسناده ضعيف، كقراءة ابن السميفع وأبي السمال وغيرهما في {نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} (نُنَحِّيكَ): بالحاء المهملة. {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس: 92] بفتح سكون اللام (خَلَفَك)، وكالقراءة المنسوبة إلى الإمام أبي حنيفة رحمه الله التي جمعها أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي ونقلها عنه أبو القاسم الهذلي وغيره فإنها لا أصل لها، قال أبو العلاء الواسطي: إن الخزاعي وضع كتابًا في الحروف نسبه إلى أبي حنيفة فأخذت خط الدارقطني وجماعة أن الكتاب موضوع لا أصل له.
قلت: وقد رويت الكتاب المذكور ومنه (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءَ) برفع الهاء ونصب الهمزة. وقد راج ذلك على أكثر المفسرين ونسبها إليه وتكلف توجيهها، وإن أبا حنيفة لبرئ منها.
ومثال ما نقله ثقة ولا وجه له في العربية ولا يصدر مثل هذا إلا على وجه السهو والغلط وعدم الضبط ويعرفه الأئمة المحققون والحفاظ الضابطون، وهو قليل جدًا؛ بل لا يكاد يوجد، وقد جعل بعضهم منه رواية خارجة عن نافع (مَعَائِشَ) بالهمز.
وما رواه ابن بكار عن أيوب عن يحيى عن ابن عامر من فتح ياء (أَدْرِيَ أَقَرِيبٌ) مع إثبات الهمزة، وهي رواية زيد وأبي حاتم عن يعقوب. وما رواه أبو علي العطار عن العباس عن أبي عمرو (سَاحِرَانِ تَظَّاهَرَا) بتشديد الظاء، والنظر في ذلك لا يخفى (1).
قال ابن الجزري: وبقي قسم مردود أيضًا: وهو ما وافق العربية والرسم ولم ينقل البتة، فهذا رده أحق، ومنعه أشد، ومرتكبه مرتكب لعظيم من الكبائر، وقد ذكر جواز ذلك عن أبي بكر محمد بن الحسن بن مقسم البغدادي المقري النحوي وكان بعد الثلاثمائة.
قال الإمام أبو طاهر بن أبي هاشم في كتابه البيان: وقد نبغ نابغ في عصرنا فزعم أن كل من صح عنده وجه في العربية بحرف من القرآن يوافق المصحف؛ فقراءته جائزة في الصلاة وغيرها، فابتدع بدعة ضل بها عن قصد السبيل.
(1) النشر في القراءات العشر (1/ 16: 15)، وانظر مناهل العرفان (1/ 344).
قلت: وقد عقد له بسبب ذلك مجلس ببغداد حضره الفقهاء والقراء وأجمعوا على منعه، وأوقف للضرب؛ فتاب ورجع وكتب عليه بذلك محضر كما ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد وأشرنا إليه في الطبقات (1).
(1) النشر في القراءات العشر (1/ 17).
موقف العلماء من محمد بن الحسن بن يعقوب، وابن شنبوذ:
أولًا: محمد بن الحسن.
قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: كان ابن مقسم من أحفظ الناس لنحو الكوفيين، وأعرفهم بالقراءات، وله في التفسير ومعاني القرآن كتاب جليل سماه كتاب (الأنوار)، وله أيضًا في القراءات وعلوم النحو تصانيف عدة، ومما طُعن عليه به أنه عمد إلى حروف من القرآن فخالف الإجماع فيها، وقرأها وأقرأها على وجوه ذكر أنها تجوز في اللغة والعربية، وشاع ذلك عند أهل العلم فأنكروه عليه، وارتفع الأمر إلى السلطان فأحضره واستتابه بحضرة القراء والفقهاء فأذعن بالتوبة وكتب محضر بتوبته، وأثبت جماعة من حضر ذلك المجلس خطوطهم فيه بالشهادة عليه، وقيل: إنه لم ينزع عن تلك الحروف وكان يُقرئ بها إلى حين وفاته، وقد ذكر حاله أبو طاهر بن أبي هاشم المقرئ صاحب أبي بكر بن مجاهد في كتابه الذي سماه كتاب (البيان) فقال: فيما أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر المقرئ قال: أنبأنا أبو طاهر عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبي هاشم قال: وقد نبغ نابغ في عصرنا هذا فزعم أن كل ما صح عنده وجه في العربية لحرف من القرآن يوافق خط المصحف فقراءته جائزة في الصلاة وغيرها! ، فابتدع بقيله ذلك بدعة ضل بها عن قصد السبيل، وأورط نفسه في مذلة عظمت بها جنايته على الإسلام وأهله، وحاول إلحاق كتاب الله من الباطل ما لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه؛ إذ جعل لأهل الإلحاد في دين الله بسيئ رأيه طريقًا إلى مغالطة أهل الحق بتخير القراءات من جهة البحث والاستخراج بالآراء دون الاعتصام والتمسك بالأثر المفترض، وقد كان أبو بكر شيخنا نضر الله وجهه نشله من بدعته المضلة باستتابته منها، وأشهد عليه الحكام والشهود المقبولين عند الحكام بتركه ما أوقع نفسه فيه من الضلالة بعد أن سئل البرهان على صحة ما ذهب إليه؛ فلم يأت بطائل، ولم يكن له حجة قوية ولا ضعيفة، واستوهب أبو بكر رضي الله عنه تأديبه من السلطان عند توبته وإظهاره الإقلاع عن بدعته، ثم عاود في وقتنا هذا إلى ما كان ابتدعه واستغوى من أصاغر المسلمين ممن هو في الغفلة والغباوة دونه ظنًا منه أن ذلك يكون للناس دينًا وأن يجعلوه فيما ابتدعه إمامًا، ولن يعدو ما ضل به مجلسه؛ لأن الله قد أعلمنا أنه حافظ كتابه من لفظ الزائفين وشبهات الملحدين بقوله:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} ، ثم ذكر أبو طاهر كلامًا كثيرًا وقال بعده: وقد دخلت عليه شبهة لا تخيل بطولها وفسادها على ذي لب وفطنة صحيحة، وذلك أنه قال: لما كان لخلف بن هشام، وأبي عبيد، وابن سعدان أن يختاروا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وكان ذلك لهم مباحًا غير منكر كان ذلك لي أيضًا مباحًا غير مستنكر، فلو كان حذا حذوهم فيما اختاروه وسلك طريقًا كطريقهم كان ذلك مباحا له ولغيره غير مستنكر، وذلك أن خلفًا ترك حروفًا من حروف حمزة، واختار أن يقرأ على مذهب نافع، وأما أبو عبيد وابن سعدان فلم يتجاوز واحد منهما قراءة أئمة القراءة بالأمصار، ولو كان هذا الغافل نحا نحوهم كان مسوغًا لذلك غير ممنوع منه ولا معيب عليه؛ بل إنما كان النكير عليه شذوذه عما عليه الأئمة الذين هم الحجة فيما جاءوا به مجتمعين مختلفين. (تاريخ بغداد 2/ 208).
ثانيًا: ابن شنبوذ.
وعُقد مجلس آخر لاستتابة ابن شنبوذ الذي كان يقرأ بحروف مخالفة لرسم المصحف وأعلن توبته ورجوعه، وإليك قصته بالتفصيل لما فيها من الفوائد:
هو الإمام محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ المقرئ كان من مشاهير القراء وأعيانهم، وتفرد بقراءات من الشواذ كان يقرأ بها في المحراب فأنكرت عليه، وبلغ ذلك الوزير أبا علي محمد بن مقلة الكاتب المشهور، فاعتقله واستحضر الوزير المذكور القاضي أبا الحسين عمر بن محمد وأبا بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد المقرئ وجماعة من أهل القرآن، وأحضر ابن شنبوذ المذكور، ونوظر بحضرة الوزير ابن مقلة، ثم أوقفوه على الحروف التي قيل إنه يقرأ بها، فأنكر ما كان شنيعًا، وقال فيما سواه: إنه قرأ به قوم، فاستتابوه فتاب، وقال: إنه قد رجع عما كان يقرؤه، وإنه لا يقرأ إلا بمصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه وبالقراءة المتعارفة التي يقرأ بها الناس، فكتب عليه الوزير محضرًا بما قاله، وأمره أن يكتب خطه في آخره، فكتب ما يدل على توبته؛ ونسخة المحضر: سئل محمد بن أحمد المعروف بابن شنبوذ عما حكي عنه أنه يقرؤه، وهو (. . . إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ)، فاعترف به، وعن (وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)، فاعترف به، وعن (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ)، فاعترف به، وعن (. . . كَالصُّوفِ المَنْفُوشِ)، فاعترف به، وعن (فَالْيَوْمَ نُنَحِّيكَ بِبدَنِكَ)، "فاعترف به، وعن (وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا)، فاعترف به، وعن (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنتِ الإِنْسُ أَنَّ الجِنَّ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ مَا لَبِثُوا حولًا في العَذَابِ المُهِينِ)، فاعترف به، وعن (وَالَّليْلِ إِذَا يَغْشَى. وَالنَّهَارِ إِذَا تجَلَّى وَالذَّكَرَ وَالأُنْثَى)، فاعترف به، وعن (فَقَدْ كَذَّبَ الكَافِرُونَ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا)، فاعترف به، وعن (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ فِئَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيَسْتَعِينُونَ اللهَ عَلَى مَا أَصَابَهُم أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)، فاعترف به، وعن (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)، فاعترف به، وكتب الشهود الحاضرون شهاداتهم في الحضر حسبما سمعوه من لفظه.
وكتب ابن شنبوذ بخطه ما صورته: يقول محمد بن أحمد بن أيوب المعروف بابن شنبوذ: ما في هذه الرقعة: صحيح، وهو قولي واعتقادي، وأشهد الله عز وجل وسائر من حضر على نفسي بذلك؛ وكتب بخطه: فمتى خالفت ذلك أو بان مني غيره، فأمير المؤمنين في حل من دمي وسعة.