الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نسخ من المصاحف على حرف قريش، وأمر بإحراق ما عدا هذه المصاحف حتى لا يدع فرصة لأي خلاف ممكن، وأمر المقرئين في كل الأمصار أن يقرئوا الناس على حروفها وأطاعته الأمة وأجمعت على ما تضمنته نسخ مصحف مهملة ما خالفها (1).
من ثَمَّ تتجلى لنا الحكمة في الترخيص للناس بشتى انتماءاتهم بقراءة القرآن بقدر ما تسعفهم به لهجاتهم، ثم الترخيص في العامين الأخيرين من عمر الرسالة المحمدية بعد أن كان الجميع يقرأ بحرف واحد. هذا التشريع البالغ الحكمة هو الذي ولد الولاء للقرآن في نفس كل مسلم، حتى إذا جاءت لحظة الخطر سنة 30 هـ سارع الناس بالتنازل عن الرخصة طائعين مختارين في سبيل الحفاظ على هوية القرآن والذي أصبح هوية لكل فرد منهم، وهذا هو السبب الجوهري في هذا الإجماع العبقري (2).
3 - ضوابط القراءة الصحيحة
. فالقراءة الصحيحة هي كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالًا، وصح سندها (3) عند ابن الجزري ومن وافقه، أو تواترت (4) عند جمهور القراء والأصوليين.
قال برهان الدين الجعبري (5): ضابط كل قراءة تواتر نقلها، ووافقت العربية، ورسم المصحف ولو تقديرًا، فهي من الأحرف السبعة المتفق عليه (6).
وقال أبو شامة في شرح الشاطبية (7): وذكر المحققون من أهل العلم بالقراءة ضابطًا حسنًا في تمييز ما يعتمد عليه من القراءات وما يطرح فقالوا: كل قراءة ساعدها خط المصحف، مع صحة النقل فيها، ومجيئها على الفصيح من لغة العرب فهي قراءة صحيحة معتبرة (8).
(1) راجع مقدمة كتاب السبعة لابن مجاهد للدكتور شوقي ضيف (10 - 11)، باختصار وتصرف يسير، وراجع الموضوع بالتفصيل في مقدمة الجمع (مبحث جمع عثمان).
(2)
إعجاز القراءات القرآنية (55) باختصار وتصرف.
(3)
النشر (1/ 9).
(4)
القول الجاذ لمن قرأ بالشاذ (57).
(5)
هو الإمام إبراهيم بن عمر الجعبري الخليلي ت (732 هـ).
(6)
شرح الجعبري للشاطبية المسمى - كنز المعاني في شرح حرز الأماني (30).
(7)
هو الإمام عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان أبو شامة المقدسي الشافعي ت سنة 665 هـ.
(8)
القول الجاذ (60)، والمرشد الوجيز (383).
ومما سبق يتبين لنا أن ضوابط القراءة الصحيحة هي إجمالًا:
1 -
موافقة اللغة العربية بوجه من الوجوه سواء أكان أفصح، أم فصيحًا، راجحًا، أو مرجوحًا.
2 -
أن توافق القراءة أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالًا.
3 -
على قولين: التواتر، أو صحة السند.
الشرح والبيان:
الضابط الأول: يشترط في القراءة الصحيحة أن توافق اللغة العربية سواء كانت هذه الموافقة لما هو شائع على ألسنة العرب، أو ما يسمى بالأفصح، أو كان أقل شيوعًا على ألسنتهم وهو الفصيح.
وقال ابن الجزري رحمه الله (1): وقولنا في الضابط: ولو في وجه، نريد به وجهًا من وجوه النحو، سواء كان أفصح، أم فصيحًا مجمعًا، أم مختلفًا فيه اختلافًا لا يضر مثله إذا كانت القراءة مما ذاع وشاع، وتلقاه الأئمة بالإسناد الصحيح، إذ هو الأصل الأعظم والركن الأقوم، وهذا هو المختار عند المحققين في ركن موافقة العربية، فكم من قراءة أنكرها بعض أهل النحو أو كثير منهم ولم يعتبر إنكارهم؛ بل أجمع الأئمة المقتدى بهم على قبولها كإسكان (بارئْكم) و (يأمرْكم). . . قال الحافظ أبو عمرو الداني (2) في كتابه (جامع البيان (3)) بعد ذكره إسكان (بارئْكم) و (يأمرْكم)) (4) لأبي عمرو (5)، وحكاية إنكار
(1) هو الإمام الحافظ المقرئ الحقق أبو الخير محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الجزري شمس الدين الدمشقي الشافعي، ونسبته إلى جزيرة ابن عمر قرب الموصل توفي سنة 833 هـ.
(2)
هو الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد الداني صاحب كتاب التيسير في القراءات توفي سنة 444 هـ.
(3)
جامع البيان (2/ 15).
(4)
يقصد إسكان الهمزة في بارئكم، والراء في يأمركم.
(5)
هو زبان بن العلاء بن عمار بن العريان أبو عمرو البصري توفي سنة 154 ليس في القراء السبعة أكثر شيوخًا منه.
سيبويه (1) له، فقال - أعني الداني -: والإسكان أصح في النقل وأكثر في الأداء وهو الذي أختاره وآخذ به. ثم لما ذكر نصوص رواته قال: وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية؛ بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل والرواية، إذا ثبت عنهم لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة؛ لأن القراءة سنَّة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها. (2)، وكما قال صاحب حرز الأماني: والمقصود بموافقة العربية موافقة ما كان مستعملًا في زمن النزول ولو كان أقل شيوعًا من غيره، وليس المقصود موافقة القواعد النظرية المجردة، حيث إن العلماء استمدوها من القرآن الكريم؛ لأنه أفصح الكلام قاطبة ثم من بقية كلام العرب، وقد حدث ذلك بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم واكتمال نزول القرآن، وعليه فالقرآن سابق لتدوين القواعد ولا يمكن للاحق أن يكون حكمًا على السابق، وفي هذا رد على شبهة أذاعها أعداء الدين وتبعهم بعض المتشككين الجاهلين.
الضابط الثاني: أن توافق القراءة أحد المصاحف العثمانية التي أمر عثمان رضي الله عنه بكتابتها وإرسالها إلى الأمصار على خلاف في عددها، وقد تمت كتابة هذه المصاحف بأمر من عثمان رضي الله عنه؛ سدًا للفتنة التي ظهرت بوادرها، ورأي طرفًا منها حذيفة بن اليمان رضي الله عنه في فتح أرمينية فأفزعه ما رأى، فأشار على عثمان أن يتدارك الأمر (3).
يقول ابن الجزري: ويعني بموافقة أحد المصاحف ما كان ثابتًا في بعضها دون بعض كقراءة ابن عامر (4)، قالوا {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} في البقرة بغير واو {وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} بزيادة الباء في الاسمين ونحو ذلك، فإن ذلك ثابت في المصحف الشامي، وكقراءة ابن كثير {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} في الموضع الأخير من سورة براءة بزيادة (من) فإن ذلك ثابت في المصحف المكي (5).
(1) هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر صاحب الكتاب وتلميذ الخليل توفي سنة 180 هـ.
(2)
جامع البيان لأبي عمرو الداني (2/ 5 ب). وانظر: النشر في القراءات العشر لابن الجزري 1/ 20.
(3)
الحديث بطوله أخرجه البخاري (4987).
(4)
هو عبد الله بن عامر اليحصبي: أحد القراء السبعة أخذ القراءة عن المغيرة ابن أبي شهاب المخزومي عن عثمان رضي الله عنه، إمام القراءة بالشام. توفي 118 هـ
(5)
انظر النشر 1/ 16.
وموافقة الرسم تأتي على ثلاثة أنواع:
أ - الموافقة التحقيقية، وهي الصريحة الموافقة للفظ القياسية التي لا يتطرق إليها الاحتمال مثل {يَعْلَمُونَ} ففي قراءة {تَعْلَمُونَ} تكون موافقة للرسم تحقيقًا إذ الأصل عدم النقط وكذا {هَيْتَ لَكَ} .
ب - الموافقة التقديرية، وهي الموافقة الاصطلاحية، وهي ما خالف اللفظ، ومخالفة الرسم للفظ محصورة في خمسة أقسام وهي:
1 -
الدلالة على البدل. نحو {الصِّرَاطِ} .
2 -
الدلالة على الزيادة. نحو {مَالِكِ} .
3 -
الدلالة على الحذف. نحو {لَكِنَّا هُوَ} .
4 -
الدلالة على الفصل. نحو {فَمَالِ هَؤُلَاءِ} .
5 -
الدلالة على أن الأصل الوصل. نحو {أَلَّا يَسْجُدُوا} .
ج - الموافقة الاحتمالية، وهي ما وافق الرسم احتمالًا، ويدخل فيه ما وقع الاختلاف فيه بالحركة والسكون مثل (القدْس) بسكون الدال وتحريكها، والتخفيف والتشديد مثل (يَنْشُرُكُمْ) بيونس فتقرأ هكذا، وتقرأ {يُسَيِّرُكُمْ} ، وبعضهم أدخل بعض هذه الأنواع في بعض (1).
الضابط الثالث: اختلف أهل العلم في هذا الضابط على قولين:
القول الأول: التواتر وهو قول جمهور أهل العلم من القراء والأصوليين والفقهاء؛ بل نقل بعضهم الإجماع على ذلك كما سيأتي. والمقصود بالتواتر هو ما قاله ابن الجزري: ما
(1) انظر النشر لابن الجزري (1/ 17) حيث عد هذه الأنواع نوعين، وانظر شرح أبي القاسم النويري (ت 857) على طيبة النشر (1/ 115 - 117)، وكذلك الترمسي على الطيبة (10)، وشرح الرميلي على الدرة (8)، وإتحاف فضلاء البشر للبنا الدمياطي (15 - 16) حيث زاد بعض أقسام مخالفة الرسم للفظ، وشرح الجعبري للشاطبية (30)، وراجع المرشد الوجيز لأبي شامة (383).
رواه جماعة عن جماعة كذا إلى منتهاه تفيد العلم من غير تعيين عدد، وقيل بالتعيين، واختلفوا فيه فقيل: ستة، وقيل: اثنا عشر، وقيل: عشرون، وقيل: أربعون، وقيل: سبعون، والذي جمع في زماننا هذه الثلاثة هو قراءة الأئمة العشرة (1).
بعض أقوال العلماء في هذا:
قال أبو القاسم النويري: أجمع الأصوليون كافة على أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر (2).
وقال ابن حجر: صرح أئمة الفقه والأصول بأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، والمراد به: الاتفاق من مجتهدي كل عصر على أن ذلك قرآن فما حصل الاتفاق عليه حصل فيه الشرط (3).
قال السرخسي: اعلم بأن الكتاب هو القرآن المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، المكتوب في دفات المصاحف، المنقول إلينا على الأحرف السبعة المشهورة نقلًا متواترًا؛ لأن ما دون المتواتر لا يبلغ درجة العيان، ولا يثبت بمثله القرآن مطلقًا (4).
وقال ابن النجار الحنبلي: القرآن لا يكون إلا متواترًا (5).
وقال ابن تيمية: والعادة والشرع أوجبا أن ينقل القرآن نقلًا متواترًا كما نقلت جمل الشريعة نقلًا متواترًا مثل إيجاب الصلوات الخمس، وأن صلاة الحضر أربع إلا المغرب والفجر. (6)
وقال ابن قدامة في تعريفه للقرآن: وهو ما نقل إلينا بين دفتي المصحف نقلًا متواترًا (7)
وقال ابن الصلاح: لا يجوز القراءة إلا بما تواتر نقله واستفاض وتلقته الأمة بالقبول. (8)
هذه بعض نصوص أهل العلم في اشتراط التواتر (9).
(1) منجد المقرئين (80)، وانظر شرح الشاطبية للجعبري (30 - 31)، وإتحاف فضلاء البشر للدمياطي (8).
(2)
انظر القول الجاذ لمن قرأ بالشاذ (57) ملحق بالجزء الأول من شرحه للطيبة.
(3)
فتوى للحافظ ابن حجر عن القراءات ملحق بكتاب المنجد لابن الجزري (241).
(4)
أصول السرخسي (1/ 291).
(5)
شرح الكوكب المنير (2/ 126).
(6)
رسالة للشيخ ابن تيمية في تواتر القراءات مخطوطة منها جزء مطبوع ملحق بكتاب منجد المقرئين (237).
(7)
روضة الناظر (1/ 199).
(8)
فتاوى ابن الصلاح (85) ومنجد المقرئين (85).
(9)
من أراد المزيد فليراجع: القول الجاذ (60)، وجامع البيان والمنخول للغزالي (282)، والبرهان للزركشي (1/ 331، 332، 333)، والمجموع للنووي (3/ 343، 392)، والبحر المحيط (1/ 466) والمنتقى شرح الموطأ للباجي (6/ 22).
القول الثاني: صحة السند والاستفاضة والقبول من جموع الأمة من غير نكير، وهذا ما ذهب إليه ابن الجزري ونسبه إلى بعض المتقدمين من أهل العلم، قال ابن الجزري: وقولنا: وصح سندها فإنا نعني به: أن يروي تلك القراءة العدلى الضابط عن مثله كذا حتى تنتهي، وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شذ بهما بعضهم، وقد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن ولم يكتف فيه بصحة السند، وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر وأن ما جاء مجيء الآحاد لا يثبت به قرآن.
وتعقب أصحاب القول الأول بقوله: هذا مما لا يخفى ما فيه؛ فإن التواتر إذًا لا يحتاج فيه إلى الركنين الآخرين من الرسم وغيره؛ إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواترًا عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب قبوله، وقطع بكونه قرآنًا سواء وافق الرسم أم خالفه، وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء الأئمة السبعة وغيرهم. ولقد كنت قبلُ أجنح إلى هذا القول ثم ظهر فساده وموافقة أئمة السلف والخلف. قال الإمام الكبير أبو شامة في مرشده: وقد شاع على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة أي في كل فرد ممن روى عن هؤلاء الأئمة السبعة، قالوا: والقطع بأنها منزلة من عند الله واجب، ونحن بهذا نقول ولكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق، واتفقت عليه الفرق من غير نكير له مع أنه شاع واشتهر واستفاض فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها.
وقال الجعبري: الشرط واحد وهو صحة النقل ويلزم الآخران (1).
وقال أبو شامة أيضًا: فكل قراءة ساعدها خط المصحف مع صحة النقل فيهما ومجيئها على الفصيح من لغة العرب فهي قراءة صحيحة معتبرة (2).
(1) النشر 1/ 13، والمرشد الوجيز (391).
(2)
المرشد الوجيز (381)، وانظر العواصم من القواصم لابن العربي (361).
قال ابن الجزري:
فَكُلِ مَا وَافَق وَجْه نَحْوِ
…
وَكَانَ للرّسْمِ احْتِمَالًا يَحْوِى
وَصَحَّ إسْنادًا هُوَ الْقُرآنُ
…
فَهَذِهِ الثَّلاثَةُ الأَركَانُ (1)
مناقشة هذا الشرط:
تعقب النويري (2) شيخه ابن الجزري في قوله: وَصَحَّ إسْنادًا. . .، فقال: ظاهره أن القرآن يكتفي في ثبوته مع الشرطين المتقدمين بصحة السند فقط ولا يحتاج إلى تواتر، وهذا قول حادث مخالف لإجماع الفقهاء والمحدثين وغيرهم كما ستراه إن شاء الله.
نقول: كأن النويري أراد باشتراط التواتر سد الذريعة لعدم التساهل مع كتاب الله تعالى لذا أكمل فقال: ولقد ضل بسبب هذا القول قوم فصاروا يقرءون أحرفًا لا يصح لها سند أصلًا، ويقولون: التواتر ليس بشرط وإذا طولبوا بسند صحيح لا يستطيعون ذلك! ولا بد لهذه المسألة من بعض بسط، فأقول: القرآن عند الجمهور من أئمة المذاهب الأربعة هو ما نقل بين دفتي المصحف نقلًا متواترًا (3).
خلاصة القول:
اختلف العلماء على فريقين: فريق قال باشتراط التواتر، وفريق قال باشتراط صحة السند مع الاستقامة والقبول وعدم النكران، وظاهر القولين التعارض ولكن يمكن الجمع ودفع التعارض بينها على النحو التالي:
قول الجمهور باشتراط التواتر. أي تواتر مجمل القرآن وليس كل حروفه وأفراده؛ إذ إن ذلك غير حاصل، فكم من قراءة متواترة كما قال اشتملت على حروف لم تبلغ درجة
(1) طيبة النشر لابن الجزري، وانظر المرشد الوجيز أيضًا (345)، ورجح الشوكاني في نيل الأوطار (2/ 249)، وإرشاد الفحول (31) قول ابن الجزري في مناقشته هذا الشرط.
(2)
رده الشوكاني في نيل الأوطار (2/ 249)، ورجح كلام ابن الجزري وأبي شامة بالخبرة بالفن والكثرة.
(3)
شرح النويري على طيبة النشر (1/ 119 - 120)، وأشار إليه الدمياطي في إتحاف فضلاء البشر (8)، وشرح الترمسي على الطيبة (11)، وراجع البحر المحيط للزركشي (1/ 467).
التواتر، ولذلك اعترض أبو شامة على من قال بتواتر كل فرد من أفراد القراءة الصحيحة كما سبق في كلامه.
قوله: وقد شاع على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة أي: كل فرد فرد، وبهذا نفهم ما نص عليه ابن الجزري أكثر من مرة في كتبه باشتراط التواتر، فقال في كتابه منجد المقرئين: كل قراءة وافقت العربية مطلقًا، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو تقديرًا، وتواتر نقلها؛ هذه القراءة المتواترة المقطوع بها (1).
وهذا دفع لشبهة التعارض في كلام ابن الجزري.
ثم إن ابن الجزري وأبا شامة اشترطا مع صحة السند الاستفاضة والقبول والشهرة وعدم النكير، إذن فالصحة المجردة عن هذه الضوابط لا تكفي في قبول القراءة (2).
قال أبو شامة: بل تكفي الآحاد الصحيحة مع الاستفاضة وموافقة خط المصحف بمعنى أنها لا تنافيه مع عدم المنكرين لها نقلًا وتوجيهًا من حيث اللغة (3).
فكأن الاستفاضة تجبر النقص الذي في الآحاد الصحيح الذي لم يبلغ حد التواتر، فالاستفاضة درجة بين الآحاد والمتواتر كما قال إمام الحرمين في البرهان.
قال الأستاذ أبو إسحاق: المستفيض واسطة بين التواتر والآحاد (4).
وبهذا يجتمع القولان ويزول التعارض، والله أعلم.
قال الزرقاني: إنما اكتفى القراء في ضابط القراءة المشهورة بصحة الإسناد مع الركنين الآخرين ولم يشترطوا التواتر: مع أنه لا بد منه في تحقق القرآنية لأسباب ثلاثة: -
(1) منجد المقرئين (79)، وانظر: النشر (1/ 13).
(2)
انظر النشر (1/ 13).
(3)
المرشد الوجيز (ص 381).
(4)
نقلًا من نفائس الأصول في شرح المحصول للقرافي (7/ 3048)، وانظر: نحوه في البرهان وتعقيب أبي المعالي عليه (223).