الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11 - شبهة: اختلاف المسلمين في عدد سور وآيات القرآن
.
نص الشبهة:
اختلاف المسلمين في عدد سور وآيات القرآن، أما سوره فمائة وأربع عشرة سورة بإجماع من تعبد به، وقيل وثلاث عشرة بجعل الأنفال وبراءة سورة واحدة، هل تتماشى تلك الأخبار مع آية في سورة النساء:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} [النساء: 82]؟
والجواب على ذلك من وجوه:
الوجه الأول: معنى قول الله عز وجل: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}
.
الوجه الثاني: سبب اختلاف المسلمين، وهذا الاختلاف لا يضر في القرآن الكريم.
الوجه الثالث: تقسيم القرآن الكريم إلى ثلاثة أقسام.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: معنى قول الله عز وجل: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} .
قال الطبري: يعني جل ثناؤه بقوله: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} ، أفلا يتدبر المبيتون غير الذي تقول لهم يا محمد كتاب الله؟ ، فيعلموا حجّة الله عليهم في طاعتك واتباع أمرك، وأن الذي أتيتهم به من التنزيل من عند ربهم؛ لاتِّساق معانيه، وائتلاف أحكامه، وتأييد بعضه بعضًا بالتصديق، وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق، فإن ذلك لو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه، وتناقضت معانيه، وأبان بعضه عن فساد بعض. (1)
وقال ابن كثير: يقول تعالى آمرًا عباده بتدبر القرآن، وناهيًا لهم عن الإعراض عنه، وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة، ومخبرًا لهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب، ولا تضادّ ولا تعارض؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد، فهو حق من حق؛ ولهذا قال تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} [محمد: 24]، ثم قال:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ} أي: لو
(1) تفسير الطبري (4/ 179).
كان مفتعلًا مختلقًا، كما يقوله من يقوله من جهلة المشركين والمنافقين في بواطنهم {لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} أي: اضطرابًا وتضادًّا كثيرًا، أي: وهذا سالم من الاختلاف، فهو من عند الله كما قال تعالى مخبرًا عن الراسخين في العلم، حيث قالوا:{آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] أي: محكمه ومتشابهه حق؛ فلهذا ردوا المتشابه إلى المحكم فاهتدوا، والذين في قلوبهم زيغ ردوا المحكم إلى المتشابه فغووا؛ ولهذا مدح تعالى الراسخين وذم الزائغين. (1)
عن أَبي عِمْرَانَ الجَوْنِيّ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ الله بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرٍو قَالَ: هَجَّرْتُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمًا قَالَ: فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ، فَقَالَ:"إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ". (2)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَقَدْ جَلَسْتُ أَنَا وَأَخِي مَجْلِسًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرُ النَّعَمِ، أَقْبَلْتُ أَنَا وَأَخِي وَإِذَا مَشْيَخَةٌ مِنْ صَحَابَةِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم جُلُوسٌ عِنْدَ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ، فَجَلَسْنَا حَجْرَةً، إِذْ ذَكَرُوا آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ فَتَمَارَوْا فِيهَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُغْضَبًا قَدْ احْمَرَّ وَجْهُهُ يَرْمِيهِمْ بِالتُّرَابِ وَيَقُولُ:"مَهْلًا يَا قَوْمِ بِهَذَا أُهْلِكَتْ الْأُمَمُ مِنْ قَبْلِكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَضَرْبِهِمْ الْكُتُبَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى عَالمِهِ". (3)
ودلت هذه الآية، وقوله تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} على وجوب التدبر للقرآن؛ ليعرف معناه. والمعنى: أنهم لو تدبروه حق تدبره لوجدوه مؤتلفًا غير مختلف، صحيح المعاني، قوي المباني، بالغًا في البلاغة إلى أعلى درجاتها {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ
(1) تفسير ابن كثير (4/ 172).
(2)
مسلم (2666).
(3)
رواه أحمد (6702)، وعبد الرزاق (20367)، والبغوي في شرح السنة (121)، والبيهقي في الشعب (2258)، والبخاري في خلق أفعال العباد (165)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (237).