الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجعل بحيرى يلحظه لحظًا شديدًا، وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده من صفته، فلما تفرقوا عن طعامهم قام إليه الراهب فقال: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسألني باللات والعزى فوالله ما أبغضت شيئًا بغضهما! قال: فبالله إلا أخبرتني عما أسألك عنه، قال: سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عنده، ثم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضع الصفة التي عنده، قال فقبل موضع الخاتم، وقالت قريش: إن لمحمد عند هذا الراهب لقدرًا، وجعل أبو طالب، لما يرى من الراهب، يخاف على ابن أخيه، فقال الراهب لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال أبو طالب: ابني، قال ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيًا، قال: فابن أخي: قال: فما فعل أبوه؟ قال: هلك وأمه حبلى به، قال: فما فعلت أمه؟ قال: توفيت قريبًا، قال: صدقت، ارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليبْغُنَّه عنتًا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا، واعلم أني قد أديت إليك النصيحة. فلما فرغوا من تجاراتهم خرج به سريعًا، وكان رجال من يهود قد رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفوا صفته فأرادوا أن يغتالوه، فذهبوا إلى بحيرى فذاكروه أمره فنهاهم أشد النهي وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم، قال: فما لكم إليه سبيل، فصدقوه وتركوه، ورجع به أبو طالب فما خرج به سفرًا بعد ذلك خوفًا عليه.
أخبرنا محمد بن عمر حدثني يعقوب بن عبد الله الأشعري عن جعفر ابن أبي المغيرة عن سعيد ابن عبد الرحمن بن أبزى، قال الراهب لأبي طالب: لا تخرجن بابن أخيك إلى ما ههنا؛ فإن اليهود أهل عداوة، وهذا نبي هذه الأمة، وهو من العرب، واليهود تحسده تريد أن يكون من بني إسرائيل، فاحذر على ابن أخيك. (1)
رواية ابن إسحاق:
(1) معضل. الطبقات الكبرى، 1/ 153 وهو كسابقيه، وفي إسناده الواقدي وهو متروك الحديث.
قال محمد بن إسحاق: وكان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد جده كان إليه ومعه، ثم إن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام تاجرًا، فلما تهيأ للرحيل وأجمع السير ضب به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بزمام ناقته، وقال:"يا عم، إلى من تكلني؟ لا أب لي ولا أم لي"، فرق له أبو طالب، وقال: والله لأخرجن به معي، ولا يفارقني ولا أفارقه أبدًا، أو كما قال، قال: فخرج به معه، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام، وبها راهب يقال له: بحيراء في صومعة له، وكان أعلم أهل النصرانية، ولم يزل في تلك الصومعة قط راهب يصير علمهم عن كتاب فيه، فيما يزعمون، يتوارثونه كابرا عن كابر فلما نزلوا ذلك العام ببحيراء، وكانوا كثيرا مما يمرون به قبل ذلك لا يكلمهم ولا يعرض لهم حتى إذا كان ذلك العام، نزلوا به قريبا من صومعته، فصنع لهم طعامًا كثيرًا، وذلك فيما يزعمون، عن شيء رآه وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا وغمامة بيضاء تظله من بين القوم، ثم أقبلوا حتى نزلوا بظل شجرة قريبا منه، فنظر إلى الغمامة حتى أظلت الشجرة وشمرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها، فلما رأى ذلك بحيراء نزل من صومعته، وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثم أرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروا كلكم، صغيركم وكبيركم، وحركم وعبدكم فقال له رجل منهم: يا بحيراء، إن لك اليوم لشأنًا ما كنت تصنع هذا فيما مضى، وقد كنا نمر بك كثيرا فما شأنك اليوم؟ فقال له بحيراء: صدقت، قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف، وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما تأكلون منه كلكم فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة. فلما نظر بحيراء في القوم ولم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده، فقال: يا معاشر قريش، لا يتخلف أحد منكم عن طعامي هذا، فقالوا له: يا بحيراء ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام وهو أحدث القوم سنًا، تخلف في رحالهم قال: فلا تفعلوا، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم فقال رجل من قريش مع القوم: واللات والعزى، إن هذا للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب
عن الطعام من بيننا. قال: ثم قام إليه فاحتضنه، ثم أقبل به حتى أجلسه مع القوم فلما رآه بحيراء جعل يلحظه لحظًا شديدًا، وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده في صفته حتى إذا فرغ القوم من الطعام وتفرقوا، قام بحيراء فقال له: يا غلام، أسألك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه، وإنما قال له بحيراء ذلك؛ لأنه سمع قومه يحلفون بهما وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لا تسلني باللات والعزى شيئًا، فوالله ما أبغضت بغضهما شيئًا قط. فقال له بحيراء: فبالله إلا أخبرتني عما أسألك عنه، فقال: سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيراء من صفته، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده قال: فلما فرغ منه أقبل على عمه أبي طالب، فقال له: هل هذا الغلام منك؟ فقال: ابني، فقال له بحيراء: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيًا، قال: فإنه ابن أخي. قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات، وأمه حبلى به. قال: صدقت. قال: ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبْغُنَّه شرًا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن، فأسرع به إلى بلاده فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام فزعموا فيما يتحدث الناس أن زبيرًا وثمامًا ودريسًا، وهم نفر من أهل الكتاب، قد كانوا رأوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب أشياء، فأرادوه فردهم عنه بحيراء، وذكرهم الله، وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته، وأنهم إن أجمعوا بما أرادوا لم يخلصوا إليه حتى عرفوا ما قال لهم وصدقوه بما قال، فتركوه وانصرفوا وقال أبو طالب في ذلك أبياتًا منها:
فما رجعوا حتى رأوا من محمد
…
أحاديث تجلو غم كل فؤاد
وحتى رأوا أحبار كل مدينة
…
سجودا له من عصبة وفراد
زريرا وتماما وقد كان شاهدا
…
دريسا وهمو كلهم بفساد
فقال لهم قولا بحيرى وأيقنوا
…
له بعد تكذيب وطول بعاد