الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصد، وقد خُوِّف من هذا بقوله:{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44)} [الحاقة: 44]، إلى غير ذلك من الأمور المزعجة التي تضعف عن إطاقتها البشرية. (1)
الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ يَرَى الْمَلَكَ فِي صُورَتِهِ الّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا فَيُوحِي إلَيْهِ مَا شَاءَ الله أَنْ يُوحِيَهُ وَهَذَا وَقَعَ لَهُ مَرّتَيْنِ، كَمَا ذَكَرَ الله ذَلِكَ فِي النَّجْمِ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)} [النجم: 13 - 16].
السَّادِسَةُ: مَا أَوْحَاهُ الله وَهُوَ فَوْقَ السَّمَوَاتِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا.
السَّابِعَةُ: كَلَامُ الله لَهُ مِنْهُ إلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةِ مَلَكٍ كَمَا كَلَّمَ الله مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عليه السلام، وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ هِيَ ثَابِتَةٌ لِمُوسَى قَطْعًا بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَثُبُوتُهَا لِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم هُوَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ. (2)
الوجه الثالث: حال النبي عند نرول الوحي عليه وبيان كذب ما يدَّعون
.
1 -
في قصة الإفك، قالت عائشة: فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه، ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء؛ حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق، وهو في يوم شاتٍ، من ثقل الوحي الذي نزل عليه. (3)
2 -
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رضي الله عنه سَأَلَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله كَيْفَ يَأْتِيكَ الوحي؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَحْيَانًا يأتيني مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ - وَهُو أشَدُّهُ عَلَىَّ - فَيُفْصَمُ عَنِّى وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لي الْمَلَكُ رَجُلًا فيكلمني فأعي مَا يَقُولُ"، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوحي في الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا. (4)
قال ابن حجر: يُفْهَم مِنْهُ أَنَّ الْوَحْي كُلّه شَدِيد، وَلَكِنَّ هَذِهِ الصِّفَة أَشَدَّهَا، وَهُوَ وَاضِح؛ لِأَنَّ الْفَهْم مِنْ كَلَامٍ مِثْل الصَّلْصَلَة أَشْكَل مِنْ الْفَهْم مِنْ كَلَام الرَّجُل بِالتَّخَاطُبِ
(1) كشف المشكل من حديث الصحيحين 1/ 1197.
(2)
زاد المعاد 1/ 7.
(3)
البخاري (4473)، مسلم (2770).
(4)
البخاري (2)، ومسلم (2333).
الْمَعْهُود، وَالْحِكْمَة فِيهِ أَنَّ الْعَادَة جَرَتْ بِالْمُنَاسَبَةِ بَيْن الْقَائِل وَالسَّامِع، وَهِيَ هُنَا إِمَّا بِاتِّصَافِ السَّامِع بِوَصْفِ الْقَائِل بِغَلَبَةِ الرُّوحَانِيَّة وَهُو النَّوْع الْأَوَّل، وَإِمَّا بِاتِّصَافِ الْقَائِل بِوَصْفِ السَّامِع وَهُو الْبَشَرِيَّة وَهُو النَّوْع الثَّانِي، وَالْأَوَّل أَشَدّ بِلَا شَكّ. وَقَالَ شَيْخنَا شَيْخ الْإِسْلَام الْبُلْقِينِيّ: سَبَب ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَام الْعَظِيم لَهُ مُقَدِّمَات تُؤْذِن بِتَعْظِيمِهِ لِلِإهْتِمَامِ بِهِ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضهمْ: وَإِنَّمَا كَانَ شَدِيدًا عَلَيْهِ لِيَسْتَجْمِع قَلْبه فَيَكُون أَوْعَى لِمَا سَمِعَ اهـ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَنْزِل هَكَذَا إِذَا نَزَلَتْ آيَة وَعِيد أَوْ تَهْدِيد، وَهَذَا فِيهِ نَظَر. وَالظَّاهِر أَنَّهُ لَا يَخْتَصّ بِالْقُرْآنِ. وفِي حَدِيث يَعْلَى بْن أمَيَّة فِي قِصَّة لَابِس الْجُبَّة الْمُتَضَمِّخ بِالطِّيبِ فِي الْحَجِّ، فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُ "رَآهُ صلى الله عليه وسلم حَال نُزُول الْوَحْي عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَيَغِطّ"، وَفَائِدَةُ هَذ الشِّدَّة مَا يَتَرَتَّب عَلَى الْمَشَقَّة مِنْ زِيَادَة الزُّلْفى، وَالدَّرَجَات. (1)
3 -
عن عروة بن عبد الرحمن بن عبد القاري، ست عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي يسمع عند وجهه كدويِّ النحل، وذكر تمام الحديث في نزول {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} . (2)
4 -
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي كربه ذلك وتربد وجهه. (3)
5 -
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي نكس رأسه، ونكس أصحابه رؤوسهم فلما أتلي عنه رفع. (4)
(1) فتح الباري 1/ 20.
(2)
ضعيف. رواه الترمذي (3173)، وأحمد (1/ 34)، والحاكم في المستدرك (1/ 717) والنسائي في الكبرى (1439) وقال: هذا حديث منكر لا نعرف أحدًا رواه غير يونس بن سليم، ولا نعرفه. وعبد الرزاق في مصنفه (6038)، قال أبو حاتم الرازي: روى عبد الرزاق هذا الحديث مرة أخرى، فقال: عن يونس بن سليم عن يونس بن يزيد ويُونُسُ بنُ سُليمٍ لا أعرِفُهُ، ولا يُعرفُ هذا الحدِيثُ مِن حدِيثِ الزُّهرِيِّ. علل الحديث (1736). وضعفه الألباني في فقه السيرة (97).
(3)
مسلم (1690)، (تربد: تغير لون وجهه).
(4)
مسلم (2335). (أتْلِىَ): ارتفع عنه الوحي.
6 -
وفي حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمْلَى عَلَيْهِ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} {وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قَالَ: فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ يُمِلُّهَا عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ! وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى، فَأَنْزَلَ الله تبارك وتعالى عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي؛ فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنَّ تَرُضَّ فَخِذِي، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَأَنْزَلَ الله عز وجل {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} . (1)
7 -
وعن يعلى بن أمية قال: قال لي عمر: أيسرك أن تنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوحى إليه؟ فرفع طرف الثوب عن وجهه وهو يوحى إليه بالجعرانة، فإذا هو محمر الوجه. وهو يغط كما يغط البَكْر. (2)
8 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ بَعْدَمَا ضُرِبَ الْحِجَابُ لِحَاجَتِهَا، وَكَانَتْ امْرَأَةً جَسِيمَةً لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا؛ فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا سَوْدَةُ أَمَا وَالله مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ؟ قَالَتْ: فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِي، وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ، فَدَخَلَتْ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَقَالَ لِي عُمَرُ كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ فَأَوْحَى الله إِلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ وَإِنَّ الْعَرْقَ فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ فَقَالَ:"إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ". (3)
9 -
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قلت: يا رسول الله، هل تحس بالوحي؟ قال:"نعم أسمع صلاصل ثم أثبت عند ذلك، وما من مرة يوحى إلى إلا ظننت أن نفسي تفيض منه". (4)
(1) البخاري (2677)، ومسلم نحوه (1898). (ترض) من الرض وهو الدق وكل شيء كسرته فقد رضضته.
(2)
البخاري (1463)، ومسلم (1180) البَكْرِ [الإبل].
(3)
البخاري (4517) واللفظ له، ومسلم (2170).
قال ابن كثير: فدل هذا على أنه لم يكن الوحي يغيب عنه إحساسه بالكلية، بدليل أنه جالس ولم يسقط العرق أيضًا من يده صلوات الله وسلامه دائمًا عليه.
(4)
إسناده ضعيف. أخرجه أحمد 2/ 222، وأورده الهيثمي في المجمع 8/ 259، وقال رواه الطبراني وأحمد، وإسناده حسن. وضعف إسناده الألباني في الضعيفة (2778) لعمرو بن الوليد - السهمي المصري - مجهول، =