الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: إن الله وعدني ذلك غير أنه بدا له، فإذا أوجس في نفسه خيفة من أن يؤاخذه الناس وينتقموا منه على هذا الكفر الشنيع نسب تلك الكفريات إلى أعلام بيت النبوة وهم منها براء، وهكذا كان اللعين وأشياعه يحتجون بكفر على كفر، ويستدلون بكذب على كذب، ويعالجون داء بداء، ومن يضلل الله فما له من هاد نسأل الله السلامة بمنه وكرمه آمين (1).
الوجه الخامس: ماذا قال الكتاب المقدس عن الرب في وصفه بالبداء
.
سفر القضاة (2: 18)(وَحِينَمَا أَقَامَ الرَّبُّ لَهُمْ قُضَاةً، كَانَ الرَّبُّ مَعَ الْقَاضِي، وَخَلَّصَهُمْ مِنْ يَدِ أَعْدَائِهِمْ كُلَّ أَيَّامِ الْقَاضِي، لأَنَّ الرَّبَّ نَدِمَ مِنْ أَجْلِ أَنِينِهِمْ بِسَبَبِ مُضَايِقِيهِمْ وَزَاحِمِيهِمْ.)، سفر صموئيل الأول (15/ 35)(وَلَمْ يَعُدْ صَمُوئِيلُ لِرُؤْيَةِ شَاوُلَ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهِ، لأَنَّ صَمُوئِيلَ نَاحَ عَلَى شَاوُلَ. وَالرَّبُّ نَدِمَ لأَنَّهُ مَلَّكَ شَاوُلَ عَلَى إِسْرَائِيلَ.)، (سفر يونان 3/ 10)(فَلَمَّا رَأَى الله أَعْمَالَهُمْ أَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ طَرِيقِهِمِ الرَّدِيئَةِ، نَدِمَ الله عَلَى الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمَ أَنْ يَصْنَعَهُ بِهِمْ، فَلَمْ يَصْنَعْهُ.)، (سفر التكوين 6/ 7: 6) (فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ. 7 فَقَالَ الرَّبُّ: "أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ، الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ)، (سفر صموئيل الأول 15/ 11: 10) (وَكَانَ كَلَامُ الرَّبِّ إِلَى صَمُوئِيلَ قَائِلًا: 11 "نَدِمْتُ عَلَى أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ شَاوُلَ مَلِكًا، لأَنَّهُ رَجَعَ مِنْ وَرَائِي وَلَمْ يُقِمْ كَلَامِي". فَاغْتَاظَ صَمُوئِيلُ وَصَرَخَ إِلَى الرَّبِّ اللَّيْلَ كُلَّهُ.)، فهذا عين البداء الذي ينسبونه إلى الرب.
الشبهة العاشرة: قالوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي كان يدَّعِي النسخ. ويتشبثون بقول الله تعالى {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} [النحل: 101]
.
والجواب عليهم من هذه الوجوه:
الوجه الأول: بيان المعنى الصحيح للآية
= مع الدليل العقلي كافيان شافيان. المنتظم (6/ 67)، الإصابة (6/ 352: 349)، البداية والنهاية (8/ 278: 275)، نقلًا من النسخ د/ مصطفى زيد.
(1)
مناهل العرفان (2/ 153).
قال الطبري: يقول تعالى ذكره: وإذا نسخنا حكم آية، فأبدلنا مكانه حكم أخرى، والله أعلم بما ينزل: يقول: والله أعلم بالذي هو أصلح لخلقه فيما يبدِّل ويغير من أحكامه، قالوا: إنما أنت مفتر. يقول: قال المشركون بالله، المكذبوا رسوله لرسوله: إنما أنت يا محمد مفتر: أي مكذب تخرص بتقوّل الباطل على الله، يقول الله تعالى؛ بل أكثر هؤلاء القائلين لك يا محمد: إنما أنت مفتر جهال، بأنّ الذي تأتيهم به من عند الله ناسخه ومنسوخه، لا يعلمون حقيقة صحته (1).
قال الآلوسي: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} أي إذا نزلنا آية من القرآن مكان آية منه وجعلناها بدلًا منها بأن نسخناها بها، والظاهر على ما في البحر أن المراد نسخ اللفظ والمعنى، ويجوز أن يراد نسخ المعنى مع بقاء اللفظ {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} من المصالح، فكل من الناسخ والمنسوخ منزل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة؛ فإن كل وقت له مقتضى غير الآخر، فكم من مصلحة تنقلب مفسدة في وقت آخر لانقلاب الأمور الداعية إليها، ونرى الطبيب الحاذق قد يأمر المريض بشربة ثم بعد ذلك ينهاه عنها ويأمره بضدها، وما الشرائع إلا مصالح للعباد وأدوية لأمراضهم المعنوية فتختلف حسب اختلاف ذلك في الأوقات وسبحان الحكيم العليم. والجملة إما معترضة لتوبيخ الكفرة والتنبيه على فساد رأيهم. وفي الالتفات إلى الغيبة مع الإسناد إلى الاسم الجليل ما لا يخفى من تربية المهابة وتحقيق معنى الاعتراض، أو حالية كما قال أبو البقاء وغيره، وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو {يُنَزِّلُ} من الإنزال {قَالُوا} أي الكفرة الجاهلون بحكمة النسخ {إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} متقول على الله تعالى، تأمر بشيء ثم يبدو لك فتنهى عنه، وقد بالغوا - قاتلهم الله - تعالى في نسبة الافتراء إلى حضرة الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حيث وجهوا الخطاب إليه صلى الله عليه وسلم، وجاءوا بالجملة الاسمية مع التأكيد بإنما، وحكاية هذا القول عنهم ههنا للإيذان
(1) تفسير الطبري (14/ 176).