الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالثابت علميًا أن المصروع يتعطل تفكيره وإدراكه تعطلًا تامًا، فلا يدري أثناء نوبته عما يدور حوله، ولا يجيش في نفسه ويغيب عن صوابه، وتعتريه تشنجات تتوقف فيها حركة الشعور عنده، ويصبح المريض بلا إحساس، وأبرز سمة عنده تكون النسيان، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يظهر عليه شيء من ذلك، فكان يبقى في تمام وعيه قبل وخلال وبعد حالة الوحي، فكان يفصم عنه وقد وعى كل ما قاله له جبريل عليه السلام من آيات بينات وتشريعات محكمات وعظات بليغات وأخلاق عظيمة، وكلام بلغ الغاية القصوى في الفصاحة والبلاغة والإعجاز حتى طأطأ لإعجازه أقدر الناس فصاحة وبلاغة فرادًا أو مجتمعين وفي كل الأزمان.
أسبابه:
أثبتت وسائل الطب الحديث والأجهزة المتقدمة في التشخيص والعلاج أن نوبات الصرع ناتجة عن تغيرات فسولوجية عضوية في المخ، حيث أمكن تسجيل تغيرات كهربائية في المخ أثناء النوبات الصرعية مهما كان مظهرها الخارجي، كما أثبت الطب الحديث أن هناك مظاهر عديدة ومختلفة لنوبات الصرع وذلك تبعًا لمراكز المخ التي تبدأ فيها التغيرات الكهربائية، وتبعًا لطريقة انتشارها وسرعته، وأهم نوبات الصرع، النوبات الصرعية النفسية.
وفي هذه الحالة من نوبات الصرع؛ فإنها تمر بذهن المريض ذكريات قديمة، وأحلام مرئية أو سمعية أو الاثنان معًا، وتسمى (بالهلاوس) وهذه الذكريات يكون قد عاشها المريض نفسه ثم احتفظ بها في مخه في ثناياه، استدعتها للخروج من مكانها الحالة الصرعية التي انتابته، وقد أمكن طبيًا إجراء عملية التنبيه لها بواسطة تيار كهربائي صناعي سُلط على جزء خاص في المخ فشعر المريض بنفس (الهلاوس) التي تنتابه في أثناء نوبة الصرع، وبتطبيق ما قرره الطب الحديث في حقائق الصرع على ما كان يعتري النبي صلى الله عليه وسلم، نجده يردد آيات لم يسمعها من قبل في حياته أخبره بها الله عز وجل، ولما كانت هذه الأحاديث والآيات والأحوال لم تمر به صلى الله عليه وسلم من قبل، فهي إذا لم تُختزن بالتالي في مخه لتثيرها وتخرجها نوبات صرعية فيتذكرها وينطق بها.
فيظهر جليًا أن ما كان يعزي رسول الله صلى الله عليه وسلم هي حالة نفسية وجسدية لتلقي وحي الله سبحانه، فبالتالي فهناك فرق شاسع بين الحالتين: حالة الصرع التي تنتاب المصروعين، وحالة الوحي التي تعزي أنبياء الله - صلوات الله وسلامه عليهم - ولا شك أن الطعن في الوحي الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم طعن في كل ما نزل على أنبياء الله من قبل، وهذا لا يكون من مؤمن بالله وأنبيائه، ولا يكون إلا من ملحد لا ديني أحيل بين قلبه وبين الإيمان، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (1)
يرد فريتهم أن الوحي أثر لمرض الهستريا الذي هو كما بينه الأساتذة (كريكيه)، (الأندوز)، و (شاركو) أنه مرض عصبي عضال، وهو وراثي أكثر إصابته في النساء، ومن أعراضه شذوذ في الخلق، وضيق في التنفس إلى حد الاختناق، ويظهر عليه ضيق في الصدر واضطراب في الهضم، وقد تصحب هذه الأعراض كذلك بحركة واضطراب في اليدين والرجلين إلى حد الشلل في بعض الأعضاء؛ فإذا تابع المرض تقدمه جاء دور التشنج فيسبقه بكاء وعويل، وكرب عظيم وهذيان، ينتهي إلى حد الإغماء، فإذا تجاوز هذه المرحلة فإن المريض يرى أشباحًا تهدده وتسخر منه، وأعداء تحاربه، ويسمع أصواتًا لا وجود لها في الحس والواقع.
وفي هذا الدور يقع المريض بحركة مضطربة، وقفز من مكان لمكان على صورة تلقي الذعر في قلب كل من يراه. (2)
هذا الوصف لأعراض هذا المرض لم يكن يظهر منه شيء على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يتمتع بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء بصحة جيدة، وعقل رصين، ونفس هادئة، وخلق كريم، وحركات متزنة، ويشهد لصحته وقوته صرعه ركانة بن عبد يزيد، الذي كان أقوى عصره (3)، ويشهد لرجاحة عقله وسلامته فصله في خصومة قريش في شرف
(1) آراء المستشرقين حول القرآن، انظر المدخل لدراسة القرآن الكريم (108: 103).
(2)
انظر القرآن والمستشرقون، رابح جمعة (27)، ومناهل العرفان للزرقاني (1/ 74).
(3)
الاستيعاب في تمييز الأصحاب (1/ 515، 516).