الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الرضاع، وفي باب تحريم الحج، وجزم به الشيخ أبو حامد في الصيام وفي الرضاع، والماوردي في الموضعين أيضًا، والقاضي أبو الطيب في موضعين من تعليقاته: أحدهما: الصيام، والثاني: في باب وجوب العمرة، والقاضي الحسين في الصيام، والمحاملي في الأيام من كتابه المسمي - عدة المسافر وكفاية الحاضر -، وابن يونس شارح التنبيه في كتاب الفرائض في الكلام على ميراث الأخ لأم، وجزم به الرافعي في باب حد السرقة، والذي وقع للإمام فقلده فيه النووي مستنده عدم إيجابه التتابع في كفارة اليمين بالصوم مع قراءة ابن مسعود السابقة، وهو منع عجيب! ؛ فإن عدم الإيجاب يجوز أن يكون لعدم ثبوت ذلك عن الشافعي، أو لقيام معارض (1).
ولم نقف على ما ذكره الإسنوي من النصوص عن الشافعي وأصحابه إلا ما ذكره المزني في مختصره، فقال عن الشافعي، وقال في كتاب الصيام: إن صيام كفارة اليمين متتابع، والله أعلم (2).
وذكره الماوردي نقلًا عن المزني وذكره أحد القولين للشافعي في أن التتابع في صيام الكفارة عن اليمين شرط، وقال: واختاره المزني، فإن صام متفرقًا لم يجزه استدلالًا بقراءة ابن مسعود (فَصِيَامُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتتابِعَات)، وقراءة أُبيٍّ (فَصِيَامُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتتابِعَة)(3).
حجة أصحاب هذا القول:
قال إمام الحرمين: إن القرآن قاعدة الإسلام، وقطب الشريعة، وإليه رجوع جميع الأصول، ولا أمر في الدين أعظم منه، وكل ما يحل خطره ويعظم وقعه لا سيما في الأمور الدينية فأصحاب الأديان يتناهون في نقله وحفظه، ولا يسوغ في اضطراد الاعتبار رجوع الأمر فيه إلى نقل الآحاد ما دامت الدواعي متوفرة، والنفوس إلى ضبط الدين متشوقة.
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعوا في زمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه على ما بين
(1) التمهيد في تخريج الفروع على الأصول للإسنوي أبي محمد الشافعي (142 - 143).
(2)
مختصر المزني (293).
(3)
الحاوي الكبير للماوردي (ت: 45)، وهو يشرح فيه مختصر المزني (19/ 389).
الدفتين وطرحوا ما عداه، وكان ذلك عن اتفاق منهم، وكل زيادة لا تحويها الأم ولا تشتمل عليها الدفتان، فهي غير معدودة في القرآن (1).
قال الغزالي: ومعتمدنا شيئان: أحدهما: أن الشيء إنما يثبت من القرآن إما لإعجازه (2)، وإما لكونه متواترًا، ولا إعجاز ولا تواتر (أي في القراءة الشاذة)، ومناط الشريعة وعمدتها تواتر القرآن، ولولاه لما استقرت النبوة وما يبني على الاستفاضة لتوفر الدواعي على نقله كيف يقبل فيه رواية شاذة؟ (3).
المسلك الثاني: مبنانا فيما نأتي ونذر الاقتداء بالصحابة رضي الله عنه، وقد كانوا لا يقبلون القراءة الشاذة (4).
ولذلك جمع عثمان رضي الله عنه المسلمين على مصحف واحد، ورد وأحرق كل ما سواه مما كان فيه قرآن، ومن المعلوم أن عثمان رضي الله عنه ممن أمرنا باتباع سنتهم، ولذلك قال ابن عبد البر: وأجمع العلماء أن ما في مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو الذي بأيدي المسلمين اليوم في أقطار الأرض حيث كان هو القرآن المحفوظ الذي لا يجوز لأحد أن يتجاوزه، ولا تحل الصلاة لمسلم إلا بما فيه، وأن كل ما روي من القراءات في الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أو غيرهم من الصحابة مما يخالف مصحف عثمان المذكور لا يقطع بشيء من ذلك على الله عز وجل (5).
قال النووي: لأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنها قرآن، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر بالإجماع (6)، وإذا لم يثبت قرآنًا لا يثبت خبرًا (7).
(1) البرهان للجويني (1/ 257).
(2)
هذا كلام فيه نظر؛ لأن ظاهره أنه إذا ثبت الإعجاز ولم يكن متواترًا فيسمى قرآنًا، ثم ما هو ضابط الإعجاز إذ تتفاوت الأفهام وتختلف العقول فما يكون معجزًا عند بعضهم لا يكون عند الآخر كذلك، وإنما نزل القرآن معجزًا لكل الخلق.
(3)
المنخول (282).
(4)
السابق.
(5)
التمهيد (4/ 278 - 279، 299).
(6)
خالفه في ذلك ابن الجزري ومن معه وقد سبق.
(7)
شرح مسلم (5/ 131).
وقال ابن عبد البر: وإنما حل مصحف عثمان رضي الله عنه هذا المحل؛ لإجماع الصحابة وسائر الأمة عليه، ولم يجمعوا على ما سواه، ويبين لك هذا أن من دفع شيئًا ممن في مصحف عثمان كفر ومن دفع ما جاء في هذه الآثار وشبهها من القراءات لم يكفر.
القول الثاني: قال أصحابه إنها حجة، تثبت بها الأحكام وتعامل معاملة خبر الواحد، ذهب إلى ذلك الحنفية والحنابلة والشافعي في رواية البويطي، وبعض المالكية ورجحه الشوكاني في إرشاد الفحول (1).
قال ابن النجار الحنبلي في أثناء كلامه عن القرآن: وما صح منه أي مما لم يتواتر حجة عند أحمد وأبي حنيفة والشافعي فيما حكاه عنه البويطي في باب الرضاع وفي تحريم الجمع، وعليه أكثر أصحابه (2). وقالوا لأنه إما قرآن، أو خبر، وكلاهما موجب للعمل (3).
قال ابن قدامة: فأما ما نقل نقلًا غير متواتر كقراءة ابن مسعود رضي الله عنه (فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتابِعَات) فقد قال قوم ليس بحجة؛ لأنه خطأ قطعًا؛ لأنه واجب على الرسول صلى الله عليه وسلم تبليغ القرآن طائفة من الأمة تقوم الحجة بقولهم، وليس له مناجاة الواحد به، وإن لم ينقله على أنه من القرآن احتمل أن يكون مذهبًا، واحتمل أن يكون خبرًا ومع التردد لا يعمل به، والصحيح أنه حجة، لأنه يخبر أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن قرآنًا فهو خبر، فإنه ربما سمع الشيء من النبي صلى الله عليه وسلم تفسيرًا فظنه قرآنًا، ففي الجملة لا يخرج عن كونه مسموعًا من النبي صلى الله عليه وسلم ومرويًا عنه فيكون حجة كيف ما كان، وقولهم: يجوز أن يكون مذهبًا له؟ قلنا: لا يجوز ظن مثل هذا بالصحابة رضي الله عنهم، فإن هذا افتراء على الله تعالى وكذب عظيم؛ إذ جعل رأيه ومذهبه الذي ليس هو عن الله تعالى ولا عن رسوله قرآنًا، والصحابة رضي الله عنهم لا يجوز
(1) إرشاد الفحول (31).
(2)
وهذا موافق لما قاله الإسنوي.
(3)
شرح الكوكب المنير (2/ 138).
نسبة الكذب إليهم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولا في غيره، فكيف يكذبوه في جعل مذاهبهم قرآنًا؟ ! هذا باطل يقينًا (1).
قال ابن مفلح: قال الخصم: لم يصرح بكونه قرآنًا، ثم لو صرح فعدم شرط القراءة لا يمنع صحة سماعه فيقول: هو مسموع من الشارع وكل قوله حجة وهذا واضح (2).
وكأن ابن مفلح يرد على النووي ومن تابعه أو قال بمثل قوله في شرح مسلم حيث قال: لأن ناقلها لم ينقلها إلا علي أنها قرآن، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر بالإجماع، وإذا لم يثبت قرآنًا يثبت خبرًا، والمسألة محررة في أصول الفقه وفيها خلاف بيننا وبين أبي حنيفة رحمه الله (3).
وقال الماوردي: والقراءة الشاذة تقوم مقام خبر الواحد في وجوب العمل؛ لأنها منقولة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فأما قراءة ابن مسعود وأُبيٍّ فإنما تجري في وجوب العمل بها مجرى خبر الواحد إذا أطلقت جرت مجرى التأويل دون التنزيل، ثم لو سلمت لحملت على الاستحباب وإطلاقها على الجواز (4).
وقال أبو بكر السرخسي: وعندنا شرط التتابع فيه (صيام الفدية للحاج) ليس بحمل المطلق على المقيد؛ بل بقراءة ابن مسعود رضي الله عنه (فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتابِعَات)، وقراءته لا تكون دون خبر يرويه وقد كان مشهورًا إلى عهد أبي حنيفة رحمه الله، وبالخبر المشهور تثبت الزيادة على النص (5).
قال ابن قدامة: إن كان قرَآنًا فهو حجة؛ لأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإن لم يكن قرآنًا فهو رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم تفسيرًا، فظنَّاه قرآنًا فتثبت له رتبة
(1) روضة الناظر (1/ 203 - 205)، وانظره بنحوه في شرح الكوكب المنير (2/ 139).
(2)
شرح الكوكب المنير (2/ 139 - 140).
(3)
شرح مسلم (5/ 130).
(4)
الحاوي (19/ 389 - 390)، وراجع البحر المحيط (1/ 478).
(5)
أصول السرخسي (1/ 280).