الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اقتراب بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كان الرُّهبان يتناقلون مقولتهم الشهيرة، حيث قد قالها أحدهم لزيد بن عمرو: فقال له الراهب: إنك لتطلب دينًا ما تجد من يحملك عليه، ولكن قد أظلك زمان نبي يخرج من بلدك يبعث بدين الحنيفية، فلما قال له ذلك رجع يريد مكة (1).
والروايتان السابقتان توضحان بجلاء أن ورقة بن نوفل ظل مشركًا إلى ما بعد ولادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إنه لم يتنصر إلا بعد عدة سنوات من سفرٍ هنا وهناك حتى استقر بالشام، وبعض الروايات توضح أنه تهود قبل أن يتنصر، وظل ورقة بالشام فترة من الواضح أنها كانت طويلة تكفي لتعلمه النصرانية وتبحره في دراستها، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج من خديجة ومازال ورقة بالشام، وهذا ما سيتضح أيضًا في الوجه الثالث.
الوجه الثاني: مكث ووقة يتعلم النصرانية وفي نفس الوقت جاء الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم
-
ورقة ظلَّ فترة في الشام ليتعلم النصرانية، وفي هذه الفترة كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد كبر واشتد عوده وأتته إرهاصات النبوة في حالة كونه غلام، وكان بعد ذلك على الحنيفية في تعبده وأخلاقه ومعاملاته، فأين ورقة من كل ذلك؟ !
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لقي زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحَ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم الوحي فَقُدِّمَتْ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم سُفْرَةٌ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ: إِنِّي لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، وَلَا آكُلُ إِلَّا مَا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ، وَإنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ، وَيَقُولُ: الشَّاةُ خَلَقَهَا الله، وَأَنْزَلَ لَهَا مِنَ السَّمَاءِ الْمَاءَ، وَأَنْبَتَ لَهَا مِنَ الأَرْضِ، ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ الله إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ (2).
قال السهيلي: فِي هذا الحديث سُؤَالٌ يُقَالُ: كَيْفَ وَفّقَ الله زَيْدًا إلَى تَرْكِ أَكْلِ مَا ذُبِحَ عَلَى النّصُبِ وَمَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ الله عَلَيْهِ، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ أَوْلَى بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ فِي الْجَاهِلِيّةِ لِمَا ثَبّتَ الله؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
(1) السيرة النبوية لابن كثير 1/ 357.
(2)
رواه البخاري (3826).
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ حِينَ لَقِيَهُ بِبَلْدَحَ، فَقُدّمَتْ إلَيْهِ السّفْرَةُ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَكَلَ مِنْهَا، وَإِنّمَا فِي الْحَدِيثِ أَنّ زيدًا قَالَ حِينَ قُدّمَتْ السّفْرَةُ: لَا آكُلُ مِمّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ الله عَلَيْهِ.
ثانيهما: أَنّ زَيْدًا إنّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِرَأْيِ رَآهُ لَا بِشِرْعِ مُتَقَدّمٍ، وَإِنّمَا تَقَدّمَ شَرْعُ إبْرَاهِيمَ بِتَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ لَا بِتَحْرِيمِ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ الله، وَإِنّمَا نَزَلَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ وَبَعْضُ الْأُصُولِيّينَ يَقُولُونَ: الْأَشْيَاءُ قَبْلَ وُرُودِ الشّرْعِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، فَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا وَقُلْنَا: إنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْكُلُ مِمّا ذُبِحَ عَلَى النّصُبِ فَإِنّمَا فَعَلَ أَمْرًا مُبَاحًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَأْكُلُ مِنْهَا فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ قُلْنَا أَيْضًا: إنّهَا لَيْسَتْ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَلَا عَلَى التّحْرِيمِ وَهُوَ الصّحِيحُ فَالذّبَائِحُ خَاصّةٌ لَهَا أَصلٌ فِي تَحْلِيلِ الشّرْعِ المُتَقَدّمِ كَالشّاةِ وَالْبَعِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمّا أَحَلّهُ الله تَعَالَى فِي دِينِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، وَلَمْ يَقْدَحْ فِي ذَلِكَ التّحْلِيلِ المُتَقَدّمِ مَا ابْتَدَعُوهُ حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ، وَأَنْزَلَ الله سُبْحَانَهُ:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]، أَلا تَرَى كَيْفَ بَقِيَتْ ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ عِنْدَنَا عَلَى أَصْلِ التّحْلِيلِ بِالشّرْعِ المُتَقَدّمِ وَلَمْ يَقْدَحْ فِي التّحْلِيلِ مَا أَحْدَثُوهُ مِنْ الْكُفْرِ وَعِبَادَةِ الصّلْبَانِ، فَكَذَلِكَ كَانَ مَا ذَبَحَهُ أَهْلُ الْأَوْثَانِ مُحَلا بِالشّرْعِ الْمُتَقَدّمِ حَتّى خَصّهُ الْقُرْآنُ بِالتّحْرِيمِ (1).
فهذا دليل واضح أن زيد بن عمرو ترك ورقة في الشام يتعلم النصرانية، وعندما رجع إلى مكة كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم شابًا، بل قد تزوج النبي من خديجة؛ لأن زيد بن حارثة قد وهبته خديجة لمحمد بعد زواجهما، فما أتى ورقة إلى مكة إلا بعد زواج محمد صلى الله عليه وسلم من خديجة وقرب بعثة محمد صلى الله عليه وسلم للنبوة.
ومن الإرهاصات التي أتت للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن ورقة مشرفًا عليها مثل:
1 -
شق الصدر في الصغر.
2 -
تسليم الحجر والشجر على محمد صلى الله عليه وسلم.
(1) الروض الأنف 1/ 382.