الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكي نفهم معنى (في ثوب عائشة) لا بد من البحث عن القصة بكل ملابساتها وظروفها في أحاديث أخرى في النقاش الذي كان بين الرسول ونسائه، وهنا يتضح لنا المقصود والمعنى، فبعض الأحاديث وردت بلفظ لباس، وبعضها بلفظ لحاف، ومن هنا يتضح أن المقصود باللباس هو اللحاف وهو الغطاء أو السترة؛ لأن كل نساء النبي صلى الله عليه وسلم لهن سترة، ولكن لم يأت الوحي إلا في بيت عائشة وهذا لفضلها ومن مناقبها رضي الله عنها.
الوجه الرابع: بيان فضل عائشة من خلال الحديث
.
وعلى هذا نفهم من الحديث أن أم المؤمنين السيدة عائشة هي الوحيدة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم التي كان ينزل الوحي عليه وهو نائم بجانبها في الفراش، أو بمعنى آخر في فراشها دون وضع جماع، وفي اللغة العربية من الممكن التعبير بالجزء عن الكل إذا اعتبرنا أن الثياب ملازم للمرء وملامس لجسده، وكذلك الفرش واللحاف لا يستغنى عنه المرء، ودائمًا ما يتردد عليه المرء للنوم، ويكون مهاد ورداء لجسده.
4 - شبهة موافقة عمر رضي الله عنه لربه
.
نص الشبهة:
في قول عمر رضي الله عنه (وافقت ربي في ثلاث)، يقولون: إن الوحي ينزل على حسب أهواء الناس، وفي الحديث شبهة أخرى ألا وهي: ادعاؤهم أن عمر رضي الله عنه كان يطلع على عورات نساء النبي صلى الله عليه وسلم.
والرد على ذلك من وجوه:
الوجه الأول: الوحي حاشاه أن يوافق أهواء الناس
.
من الأسباب في نزول الحجاب ما رواه أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قالَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَذِهِ الْآيَةِ آيَةِ الْحِجَابِ؛ لمَّا أُهْدِيَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ رضي الله عنها إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كَانَتْ مَعَهُ فِي الْبَيْتِ، صَنَعَ طَعَامًا وَدَعَا الْقَوْمَ فَقَعَدُوا يَتَحَدَّثُونَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ ثُمَّ يَرْجِعُ وَهُمْ قُعُودٌ يَتَحَدَّثُونَ؛ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ
إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} فَضُرِبَ الْحِجَابُ وَقَامَ الْقَوْمُ. (1)
وفي رواية عن أنس قال: أَوْلَمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ بَنَى بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَأَشْبَعَ النَّاسَ خُبْزًا وَلَحْمًا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى حُجَرِ أمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ صَبِيحَةَ بِنَائِهِ، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِنَّ وَيُسَلِّمْنَ عَلَيْهِ وَيَدْعُو لَهُنَّ وَيَدْعُونَ لَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ رَأَى رَجُلَيْنِ جَرَى بِهِمَا الْحَدِيثُ، فَلَمَّا رَآهُمَا رَجَعَ عَنْ بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلَانِ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم رجَعَ عَنْ بَيْتِهِ وَثَبَا مُسْرِعَيْنِ، فَمَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ بِخُرُوجِهِمَا أَمْ أُخْبِرَ، فَرَجَعَ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ وَأَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَأنْزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ (2).
قال ابن حجر: وَمُحَصِّل الْقِصَّة أَنَّ الَّذِينَ حَضَرُوا الْوَلِيمَة جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ، وَاسْتَحْيَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَأْمُرهُمْ بِالْخُرُوجِ، فَتَهَيَّأَ لِلْقِيَامِ لِيَفْطِنُوا لِمُرَادِهِ فَتقُومُوا بِقِيَامِهِ، فَلمَّا أَلْهَاهُمْ الْحَدِيث عَنْ ذَلِكَ قَامَ وَخَرَجَ فَخَرَجُوا بِخُرُوجِهِ، إِلَّا الثَّلَاثَة الَّذِينَ لَمْ يَفْطِنُوا لِذَلِكَ لِشِدَّةِ شُغْل بَالهِمْ بِمَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْحَدِيث، وَفِي غُضُون ذَلِكَ كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُرِيد أَنْ يَقُومُوا مِنْ غَيْر مُوَاجَهَتهمْ بِالْأَمْرِ بِالْخُرُوجِ لِشِدَّةِ حَيَائِهِ، فَيُطِيل الْغَيْبَة عَنْهُمْ بِالتَّشَاغُلِ بِالسَّلَامِ عَلَى نِسَائِهِ وَهُمْ فِي شُغْل بَالهمْ، وَكَانَ أَحَدهمْ فِي أَثْنَاء ذَلِكَ أَفَاقَ مِنْ غَفْلَته فَخَرَجَ وَبَقِيَ الِاثْنَانِ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ وَوَصَلَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلَى مَنْزِله فَرَآهُمَا فَرَجَعَ، فَرَأَيَاهُ لمَّا رَجَعَ، فَحِينَئِذٍ فَطِنَا فَخَرَجَا، فَدَخَلَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَأُنْزِلَتْ الْآيَة فَأَرْخَى السِّتْر بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنَس خَادِمه أَيْضًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْد بِذَلِكَ (3).
وإنما أوردت هذه الأسباب تبيينًا أن الحجاب لم ينزل موافقًا لرأي عمر وحده، أو أن الوحي يوافق أهواء الناس، بل هناك أسباب أخرى تقتضي مثلًا نزول الحجاب، وهناك أسباب غير ما أشار به عمر فيما وافق فيه ربه، وإنما هذه مجرد كرامات الأولياء يلقيها الله عز وجل
(1) البخاري (4792)، مسلم (1428).
(2)
البخاري (4794).
(3)
فتح الباري (8/ 620).
على ألسنة أوليائه والملازمين لقرآنه وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم جزاءً لهم على ما قدموا للإسلام والمسلمين.
قال في الدليل إلى المتون العلمية: وهي من فوائد مجالسة العلماء إذ يفتح للمتعلم بين أيديهم ما لا يفتح له دونهم، ويبقى ذلك النور لهم بمقدار ما بقوا في متابعة معلمهم، وتأدبهم معه واقتدائهم به، فهذا الطريق نافع على كل تقدير (1). وهذا أولًا.
ثانيًا: أن عمر رضي الله عنه كان ملهمًا مُحدَّثًا، وهذه نعمة من الله تبارك وتعالى على عبده الذي دافع عن الإسلام والمسلمين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنْ الأمَمِ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُ فِي أمَّتِي أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ (2).
ثالثًا: هذا اجتهاد من عمر رضي الله عنه ووافقه الله تعالى بقدره؛ لأنه رأى الصواب وألهمه الله عز وجل الصواب في ذلك، فليس معنى أن الوحي يوافق كلامه أن الوحي ينزل على هوى الناس، ويؤيد ذلك حديث:(إِنَّ الله جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ)، وقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْرٌ قَطُّ فَقَالُوا فِيهِ وَقَالَ فِيهِ عُمَرُ أَوْ قَالَ (ابْنُ الْخَطَّابِ) فِيهِ - شَكَّ خَارِجَةُ - إِلَّا نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ عُمَرُ (3).
فمن قول ابن عمر أيضًا: (فقالوا فيه. . .) يدل على أن باب الاجتهاد مفتوح، وأنه ليس عمر وحده الذي يجتهد، ولكن تشريفًا لعمر أجرى الله الصواب على لسانه، وما قال عمر كان سينزله الله سواءً قاله عمر أو لم يقله.
رابعًا: أن كلام الله عز وجل من صفاته تعالى، وهي صفات أزلية، فالله لم يزل ولا يزال متكلمًا، وكلام عمر وفعله حادث لاحق.
(1) الدليل إلى المتون العلمية لعبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم (1/ 37).
(2)
البخاري (3689)، مسلم (2398).
(3)
سنن الترمذي من حديث ابن عمر (3682)، مسند أحمد (2/ 401، 53)، قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2908).