الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - شبهة: حول المتشابه بين آيات القرآن
.
والباعث على البحث في هذا هو الجواب على شبهة: (أن القرآن إنما أنزل للهدى والبيان، فكيف اشتمل على المتشابه؟
والجواب عن هذا من وجوه:
الوجه الأول: فوائد وجود المتشابه إن كان مما يمكن علمه
.
الوجه الثاني: فوائد وجود المتشابه إن كان مما لا يمكن علمه.
الوجه الثالث: الأسباب الموهمة للاختلاف في القرآن الكريم.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: فوائد وجود المتشابه إن كان مما يمكن علمه.
أولًا: يحُث العلماء على النظر الموجب للعلم بغوامضه، والبحث عن دقائق معانيه، فإنَّ استدعاء الهمم؛ لمعرفة ذلك من أعظم القرب، وحذرًا مما قال المشركون {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22] (1)، فإنه مع الحاجة تقع الفكرة والحيلة، ومع الكفاية يقع العجز والبلادة. (2)
ثانيًا: إظهار فضل العالم على الجاهل، ويستدعيه علمه إلى المزيد في الطلب في تحصيله؛ ليحصل له درجة الفضل، والأنفس الشريفة تتشوف لطلب العلم وتحصيله. (3)
إذ لو كان القرآن كله محكمًا لا يحتاج إلى تأويل ونظر؛ لاستوت منازل الخلق، ولم يظهر فضل العالم على غيره. (4)
ثالثًا: تحقيق إعجاز القرآن، لأن كلَّ ما استتبع فيه شيئًا من الخفاء المؤدي إلى التشابه، له مدخل عظيم في بلاغته وبلوغه الطرف الأعلى في البيان. فالبحث في مشكل القرآن يظهر بلاغة القرآن، وإحكامه، واتساق معانيه، وروعة ألفاظه. (5)
(1) البرهان (2/ 75)، والإتقان (3/ 30).
(2)
تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة (108).
(3)
البرهان (2/ 75).
(4)
الإتقان في علوم القرآن (3/ 31).
(5)
مناهل العرفان (2/ 224)، ومشكل القرآن عبد الله بن حمد المنصور (108).
رابعًا: إنَّ البحث في الشكل يوجب المشقة في الوصول إلى المراد، وزيادة المشقة توجب مزيدًا من الثواب. قال تعالى:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)} [آل عمران: 142]. (1)
خامسًا: أنه لما كان القرآن مشتملًا على المحكم والمتشابه، افتقر العلماء إلى تعلم طرق التأويلات، وترجيح بعضها على بعض، وافتقر تعلم ذلك إلى تحصيل علوم كثيرة من علم اللغة والنحو وعلم أصول الفقه، ولو لم يكن الأمر كذلك ما كان يحتاج الإنسان إلى تحصيل هذه العلوم الكثيرة. (2)
سادسًا: تربية المسلم على التواضع ولين الجانب، فإنه عندما يرى غيره يعلم ما لا يعلمه هو، فإن هذا يدعوه إلى التعلم والاعتراف بالعجز. (3) وفي هذا يقول عمرو بن مرة رضي الله عنه: ما مررت بآية من كتاب الله لا أعرفها إلا أحزنني، لأني سمعت الله يقول:{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)} [العنكبوت: 43]. (4)
سابعًا: أن القرآن إذا كان مشتملًا على المحكم والمتشابه، افتقر الناظر فيه إلى الاستعانة بدليل العقل، وحينئذ يتخلص عن ظلمة التقليد، ويصل إلى ضياء الاستدلال والبيِّنة، أما لو كان كله محكمًا لم يفتقر إلى التمسك بالدلائل العقلية؛ فحينئذ كان يبقى في الجهل والتقليد. (5)
ثامنًا: أنه لو كان القرآن محكمًا بالكلية لما كان مطابقًا إلا لمذهب واحد، وكان تصريحه مبطلًا لكل ما سوى ذلك المذهب، وذلك مما ينفر أرباب المذاهب عن قبوله، وعن النظر فيه. فالانتفاع به إنما حصل لمَّا كان مشتملًا على المحكم والمتشابه؛ فحينئذ يطمع صاحب كل مذهب أن يجد فيه ما يقوي مذهبه ويؤثر مقالته، فحينئذ ينظر فيه جميع أرباب
(1) التفسير الكبير للرازي (7/ 172)، والإتقان (3/ 32)، والبرهان (2/ 75).
(2)
التفسير الكبير (7/ 172).
(3)
مشكل القرآن (108).
(4)
تفسير ابن أبي حاتم (9/ 3064/ 17327).
(5)
التفسير الكبير (7/ 172).