الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفائدة، فلا يؤمر بشيء هو عالم أنه لا فائدة فيه؛ لأن العاقل لا يسعى إلى مالا فائدة فيه. (1)
الثالث عشر: الاستعارة البديعة:
وتعرف الاستعارة بأنها: ما كانت علاقته تشبيه معناه بما وضع له. (2)
ونظيرها قوله تعالى: {قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: 16]، فالقوارير لا يكون من الفضة، وما كان من الفضة لا يكون قوارير، ولكن للفضة صفة كمال: وهي نفاسة جوهره وبياض لونه، وصفة نقصان: وهي أنها لا تصفوا، ولا تشفُّ وللقارورة صفة كمال أيضًا، وهي الصفاء والشفيف، وصفة نقص وهي خساسة الجوهر. فعرف بعد التأمل أن المراد من كل واحد صفة كماله، وأن معناه أنها مخلوقة من فضة، وهي مع بياض الفضة في صفاء القوارير وشفيفها. وكذلك في قوله تعالى:{فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: 112]، فاللباس لا يذاق ولكنه يشمل الظاهر، ولا أثر له في الباطن، والإذاقة أثرها في الباطن ولا شمول لها، فاستعيرت الإذاقة لما يصل من أثر الضرر إلى الباطن واللباس بالشمول، فكأنه قيل: فأذاقهم ما غشيهم من الجوع والخوف، أي أثرهما واصلٌ إلى بواطنهم مع كونه شاملًا لهم. (3)
الرابع عشر: اعتقاد أمر مخالف للكتاب والسنة:
وهذا واقع عند أهل البدع؛ حيث ابتدعوا بعض الاعتقادات، وجعلوها هي الأصل المعقول المحكم الذي يجب اعتقاده والبناء عليه، ثم نظروا في الكتاب والسنة، فما أمكنهم أن يتأولوه على قولهم تأولوه، وإلا قالوا: هذا من الألفاظ المتشابهة المشكلة التي لا ندري ما أريد بها، فجعلوا بدعهم أصلًا مُحْكَمًا، وما جاء به الرسول فَرْعًا له، ومُشْكَلًا إذا لم يوافقه، فالواجب أن يجعل ما أنزله الله من الكتاب والحكمة أصلًا في هذه الأمور، ثم يُرَدُّ ما تكلم فيه الناس إلى ذلك، ويُبَيِّن ما في الألفاظ المجملة من المعاني الموافقة من الكتاب
(1) دفع إيهام الاضطراب للشنقيطي (257 - 259) باختصار.
(2)
بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح (475).
(3)
كشف الأسرار، لعبد العزيز البخاري الحنفي (1/ 54).
والسنة فتقبل، وما فيها من المعاني المخالفة للكتاب والسنة فَتُرَد. (1)
ولهذا يجعل كل فريق المشكل من نصوصه غير ما يجعل الفريق الآخر مشكلًا، فمنكر الصفات الخبرية الذي يقول: إنها لا تعلم بالعقل يقول: نصوصها مشكلة متشابهة، بخلاف الصفات المعلومة بالعقل عنده بعقله؛ فإنها عنده محكمة بيِّنَة. وكذلك يقول من ينكر العلو والرؤية: نصوص هذه مشكلة.
ومنكر الصفات مطلقًا يجعل ما يثبتها مشكلًا دون ما يثبت أسماء الله الحسنى، ومنكر معاني الأسماء: يجعل نصوصها مشكلة، ومنكر معاد الأبدان وما وصفت به الجنة والنار: يجعل ذلك مشكلًا
أيضًا، ومنكر القدر: يجعل ما يثبت أن الله خالق كل شيء وما شاء كان مشكلًا، دون آيات الأمر والنهي والوعد والوعيد، والخائض في القدر بالجبر يجعل نصوص الوعيد، بل ونصوص الأمر والنهي مشكلة فقد يستشكل كل فريق ما لا يستشكله غيره، ثم يقول فيما يستشكله إن معاني نصوصه لم يُبَيِّنها الرسول صلى الله عليه وسلم. (2)
ويقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} [الأعراف: 54]، هذه الآية الكريمة وأمثالها من آيات الصفات كقوله تعالى:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10]، ونحو ذلك، أشكلت على كثير من الناس إشكالًا ضلَّ بسببه خَلْقٌ لا يحصى كَثرة، فصار قوم إلى التعطيل، وقومٌ أخر إلى التشبيه سبحانه وتعالى علوًا كبيرًا عن ذلك كله - والله جل وعلا أوضح هذا غاية الإيضاح، ولم يترك فيه أي لبس ولا إشكال. (3)
وبذلك يتبين أن كون الآية من آيات الصفات لا يجعلها موضع إشكال، ولا ينبغي وصفها بذلك، كما أنه ينبغي على الباحث أن ينظر فيما يشكل عليه، والبحث عما يدفع عنه
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية (17/ 306 - 307) بتصرف يسير.
(2)
درء تعارض العقل والنقل (1/ 13).
(3)
أضواء البيان (2/ 272).