الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسيحي الأصل، وعبد الله بن سلام اليهودي الوحيد الذي أسلم في المدينة مع كعب الأحبار، وهل كان حديث هذه الحاشية الكريمة سوى التوراة والإنجيل؟
إن ذلك حجة قاطعة على أن بيئة النبي والقرآن كانت كتابية من كل نواحيها، وأن ثقافة محمد والقرآن كتابية في كل مظاهرها، وذلك بمعزل عن الوحي والتنزيل) (1).
الرد على الشبهة:
الوجه الأول: إن هذه الحاشية المسيحية واليهودية - كما يزعمون - التي قد أسلمت؛ لدليل واضح على أن الديانات قبل الإسلام حُرِّفت، فلذا لم يسعْ هؤلاء بعد أن عرفوا الحق إلا أن يتركوا ما هم عليه من الباطل ويتبعوا هذا النبي.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن عمرو: ما لي أرى قومك قد شنفوا لك، فقال: أما والله، إن ذلك لبغير نائرة كانت مني إليهم ولكني أراهم على ضلالة، فخرجت أبتغي هذا الدين حتى قدمت على أحبار يثرب، فوجدتهم يعبدون الله، ويشركون به، فقلت: ما هذا بالدين الذي أبتغي، فخرجت حتى أقدمت على أحبار خيبر فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به، فقلت: ما هذا بالدين الذي أبتغي، فخرجت حتى قدمت على أحبار فدك فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به، فقلت: ما هذا بالدين الذي أبتغي، خرجت حتى أقدمت على أحبار أيلة فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به، فقلت: ما هذا بالدين الذي أبتغي، فقال لي حبر من أحبار الشام: أتسل عن دين ما تعلم أحدًا يعبد الله به إلا شيخًا بالجزيرة، فخرجت فقدمت عليه فأخبرته بالذي خرجت له، فقال: إن كل من رأيت في ضلال؛ إنك تسأل عن دين هو دين الله ودين ملائكته، وقد خرج في أرضك نبي أو هو خارج يدعو إليه، ارجع فصدقه واتبعه وآمن بما جاء به. (2)
الوجه الثاني: نفى (نِلسُن) أن تكون اليهودية أو المسيحية قد أثَّرتا في وجود التوحيد عند العرب، ففي رأيه أن اليهود كان إلههم الخاص بهم ولم يكن إلهًا عالميًا، كما أن المسيحية التي ظلت حتى عصر
(1) القرآن والمبشرون (ص: 94 - 95).
(2)
حديث صحيح سبق تخريجه.
محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن توحيدية بل كانت متعددة الآلهة، فالمسيح وأمه كانا يُقدسان كإلهين (1).
الوجه الثالث: من أهم ما يرد عليهم أن ورقة عندما أراد أن يتنصر ويتعلم دين النصرانية ذهب إلى الشام، وهذا لعدم توفر ذلك في الجزيرة العربية، فكان على الشرك قبل هذا؛ لأنه نشأ في بيئة وثنية.
الوجه الرابع: الواقع يشهد أن ديانة العرب المنتشرة في الجزيرة هي الشرك.
والسؤال هو: أين دليلهم على أن الجزيرة كانت على النصرانية؟
1 -
قال المستشار نجيب وهبة (النصراني، المستشار بمجمع اللغة العربية سابقًا): كانت كثرةُ العرب في الجاهلية وثنيةً تؤمن بقوى إلهية كثيرة تنبث في الكواكب ومظاهر الطبيعة (2).
ثم قال: نجران أهم مواطن المسيحية، ثم ذكر عدة أسماء للقبائل التي تنصرت في شبه الجزيرة، ولم يفصل في وجود كنائس أو قبائل نصرانية في مكة (3).
2 -
وجود ثلاثمائة وستين صنمًا عند الكعبة (4)، فإن عمرو بن لحي الخزاعي قد جلب الأصنام إلى مكة وغيرها، ودعا الناس إلى عبادتها، ومنها: ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسرًا.
ثم اتخذ العرب أصنامًا أخرى ومنها: صنم مناة بقديد، واللات بالطائف، والعزى بوادي نخلة، وهبل في جوف الكعبة، وأصنام حول الكعبة، وأصنام في بيوتهم، واحتكم الناس إلى الكهان والعرافين والسحرة (5).
فالذي يهمنا هي مكة موطن محمد ومبعثه، التي تؤكد كتب التاريخ أن غالب أهلها كانوا على الشرك.
الوجه الرابع: قال ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي (6).
(1) التاريخ العربي القديم: نلسن ديتلف وآخرون؛ ترجمة فؤاد حسنين وزكي محمد - نقلًا من كتاب: ورقة بن نوفل مبشر الرسول لغسان عزيز حسن (28).
(2)
إشراقة شمس المسيحية في شبه الجزيرة العربية 61.
(3)
المصدر السابق صـ 131.
(4)
ابن الأثير في ذكر فتح مكة 1/ 332.
(5)
فتاوى الإسلام سؤال وجواب 1/ 568.
(6)
البخاري (3)، ومسلم (160).
فإذا كان محمد نصرانيًا، وإذا كان المجتمع نصرانيًا، فلماذا حدث العداء، فلم يصدِّقوه بل حاربوه، حتى إن القبائل النصرانية بالجزيرة العربية - التي يشهد التاريخ الصحيح بأنها نصرانية - لم تنطوِ له بسهولة.
الوجه الخامس: الحركة الدينية اليهودية والنصرانية في مكة لم تكن مزدهرة؛ بل كان الشرك هو المسيطر: لم يظهر بين يهود الجزيرة العربية مَنْ اشتهر بعلم أو فقه أو فلسفة، وهذا يدل بالضرورة على عدم ازدهار الحركة الفكرية والثقافية عندهم، فهم آثروا البقاء منعزلين عن العالم، مكتفين بأبسط أنواع الحياة (1).
الوجه السادس: من الأدلة على ضعف الحركة الدينية اليهودية والنصرانية في مكة عدم استغلال النصارى للشعر لتقوية موقفهم في مكة ونشر دينهم، فإن هذا كان أهم وسيلة لنشر دينهم، فلا يختلف الشعر النصراني عن شعر الشعراء الوثنيين بشيء، فمن الصعب على الباحث أن يجد فرقًا كبيرًا بين شعر الشعراء النصارى وشعر الشعراء الوثنيين، ولهذا ذهب بعض المستشرقين إلى أن من الصعب التحدث عن وجود شعر نصراني عربي له ميزات امتاز بها عن الشعر الوثني قبل الإسلام (2).
الوجه السابع: من حكمة الله تعالى وتقديره، أنه لم يُعلم في مكة يهودي واحد، واليهود استقبلوا محمدًا صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة بالعداوة صراحة.
الوجه الثامن: لم يكن في مكة أي كتاب ديني مدون، ولا مدرسة، ولا فلاسفة كما كانت عليه حضارات اليونان والصين وفارس والهند. كما أنه لم يُعرف عن اليهود في كل الجزيرة العربية نبوغٌ فكريٌ ورقيٌ حضاريٌ، وفاقد الشيء لا يعطيه.
ولم يكن النصارى أحسن حالًا منهم، بل كانوا لا يملكون حتى التميز بشعر خاص بهم - على الأقل -، وهذا ما يؤكده المستشرقون من أتباع دينهم.
* * *
(1) انظر العرب قبل الإسلام د/ جواد علي 6/ 8، ود/ إسرائيل ولفنسون؛ تاريخ اليهودية في بلاد العرب 42.
(2)
انظر العرب قبل الإسلام د/ جواد علي.