الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]. ففيها أي: {وَأَرْجُلَكُمْ} ثلاث قراءات: واحدة شاذة، واثنتان متواترتان. أما الشاذة: فقراءة الرفع وهي قراءة الحسن. (1)
وأما المتواتران: فقراءة النصب، وقراءة الخفض، أما النصب: فهو قراءة نافع، وابن عامر، والكسائي، وعاصم في رواية حفص من السبعة، ويعقوب من الثلاثة. (2)
وأما الجر: فهو قراءة ابن كثير، وحمزة، وأبي عمرو، وعاصم في رواية أبي بكر. (3)
أما قراءة النصب فلا إشكال فيها؛ لأن الأرجل فيها معطوفة على الوجه، وتقرير المعنى عليها: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برءوسكم.
وأما على قراءة الجر: ففي الآية الكريمة إجمال، وهو أنه يُفهم منها الاكتفاء بمسح الرجلين في الوضوء عن الغسل وذلك مثل الرأس تمامًا، وهو خلاف الواقع للأحاديث الصحيحة الصريحة في وجوب غسل الرجلين في الوضوء والتوعد لمن ترك ذلك.
اعلم أولًا أن القراءتين إذا ظهر تعارضهما في آية واحدة لهما حكم الآيتين كما هو معروف عند العلماء، فإذا علمت ذلك فاعلم أن قراءة {وَأَرْجُلَكُمْ} بالنصب صريح في وجوب غسل الرجلين في الوضوء، فهي تفهم أن قراءة الخفض إنما هي لمجاورة المخفوض، وقال بعض العلماء: المراد بمسح الرجلين غسلهما، والعرب تطلق المسح على الغسل أيضًا، وقال بعض العلماء: المراد بقراءة الجر: المسح، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بَيَّن أن ذلك المسح لا يكون إلا على الخف، وعليه فالآية تشير إلى أن المسح على الخف في قراءة الخفض. (4)
الثاني عشر: تردد معنى الآية بين أن يكون لها مفهوم مخالفة أو لا:
ومعنى هذا العنوان هو: أنه قد ترد بعض الآيات وفيها نص على أحد الأحكام، وهذا الحكم يستخرج
(1) إتحاف فضلاء البشر للبنا الدمياطي (251).
(2)
المصدر السابق، وانظر أيضًا النشر لابن الجزري (2/ 254)، والتيسير (74).
(3)
المصادر السابقة.
(4)
أضواء البيان (2/ 7 - 14) باختصار.
من منطوق النص القرآني. وأحيانًا تدل الآية على حكم من الأحكام بالمفهوم، بمعنى أن الحكم لم يرد في الآية منصوصًا عليه، ولكنه يفهم من معنى الآية.
فمثلًا قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] يدل بمنطوقه عن النهي عن التأفف، وهو يدل أيضًا بمفهومه على النهي عن الضرب. (1)
ومن الآيات التي تُبَيِّن هذا النوع قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى: 9]، فهذه الآية يفهم منها أن التذكير لا يطلب إلا عند مظنة نفعه، بدليل {إِنْ} الشرطية.
وقد جاءت آيات كثيرة تدل على الأمر بالتذكير مطلقًا، كقوله تعالى:{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية: 21]، وقوله:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 22].
وقبل أن نجيب عن هذا الإشكال نبين أولًا أن هذا الاستشكال لا يكون إلا على قول من يقول باعتبار دليل الخطاب - الذي هو مفهوم المخالفة - وأما على قول من لا يعتبر مفهوم المخالفة فلا يعتبر ذلك إشكالًا.
ونجيب عن هذا الإشكال بعدة أجوبة منها:
1 -
أن في الكلام حذفًا، أي إن نفعت الذكرى وإن لم تنفع، كقوله:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81]، أي والبرد.
2 -
أنها بمعنى (إذ).
3 -
أن معنى: {إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} : الإرشاد إلى التذكير بالأهم، أي: ذكر بالمهم الذي فيه النفع دون ما لا ينفع.
4 -
أنها صيغة شرط أريد بها ذم الكفار واستبعاد تذكيرهم.
قلت: والذي يظهر هو بقاء الآية الكريمة على ظاهرها، وأنه صلى الله عليه وسلم بعد أن يكرر الذكرى تكريرًا تقوم به حجة الله على خلقه - مأمورٌ بالتذكير عند ظن الفائدة، أما إذا علم عدم
(1) مشكل القرآن الكريم (217).