الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن النجار: ويَجُوزُ النَّسْخُ عَقْلًا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الشَّرَائِعِ. (1)
قال الآمدي: وقد اتفق أهل الشرائع على جواز النسخ عقلًا، وعلى وقوعه شرعًا. (2)
قال ابن الجوزي: اتفق جمهور علماء الأمم على جواز النسخ عقلًا وشرعًا.
وقال أيضًا: انعقد إجماع العلماء على هذا (إثبات أن في القرآن منسوخًا) إلا أنه قد شذ من لا يُلتفت إليه، فحكى أبو جعفر النحاس أن قومًا قالوا: ليس في القرآن ناسخ ولا منسوخ، وهؤلاء قوم لا يُقرون؛ لأنهم خالفوا نص الكتاب وإجماع الأمة. (3)
قال ابن كثير: والمسلمون كلهم متفقون على جواز النسخ في أحكام الله تعالى، لما له في ذلك من الحِكم البالغة، وكلهم قال بوقوعه. وقال أبو مسلم الأصبهاني المفسر: لم يقع شيء من ذلك في القرآن، وقوله هذا ضعيف مردود مرذول. (4)
قال الشوكاني: النسخ جائز عقلًا، واقع سمعًا بلا خلاف في ذلك بين المسلمين إلا ما يُروى عن أبي مسلم الأصفهاني فإنه قال: إنه جائز غير واقع، وإذا صح هذا عنه فهو دليل على أنه جاهل بهذه الشريعة المحمدية جهلًا فظيعًا، وأعجب من جهله بها حكاية من حكى عنه الخلاف في كتب الشريعة؛ فإنه إنما يعتد بخلاف المجتهدين لا بخلاف من بلغ في الجهل إلى هذه الغاية. (5)
هذا وقد نقل كثير من أهل العلم الإجماع على ذلك. (6)
رابعًا: أدلة وقوعه عقلًا:
(1) شرح الكوكب المنير (3/ 533).
(2)
الأحكام للآمدي (3/ 106).
(3)
نواسخ القرآن (78).
(4)
تفسير ابن كثير (2/ 14).
(5)
إرشاد الفحول (185).
(6)
روضة الناظر (1/ 216)، المحصول (3/ 441)، لباب المحصول (1/ 267)، تفسير القرطبي (2/ 56)، البرهان في علوم القرآن (2/ 30)، الإتقان في علوم القرآن (3/ 60).
الدليل الأول: الله تعالى له أن يفعل ما يشاء كما يشاء، وأيضًا اختلاف المصالح باختلاف الأزمنة؛ فلا يكون النسخ ممتنعًا.
قال الآمدي: والدليل على الجواز العقلي؛ العقل والسمع. أما العقل؛ فهو أن المخالف لا يخلو إما أن يكون ممن يوافق على أن الله تعالى له أن يفعل ما يشاء كما يشاء من غير نظر إلى حكمة وغرض، وإما أن يكون ممن يعتبر الحكمة والغرض في أفعاله تعالى؛ فإن كان الأول، فلا يمتنع عليه تعالى أن يأمر بالفعل في وقت، وينهى عنه في وقت، كما أمر بالصيام في نهار رمضان، ونهى عنه في يوم العيد؛ وإن كان الثاني، فمع بطلانه على ما عرفناه في كتب الكلام، فلا يمتنع أن يعلم الله استلزام الأمر بالفعل في وقتٍ معين للمصلحة، واستلزام النهي عنه للمصلحة في وقت آخر، فإنّ المصالح مما يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال حتى إن مصلحة بعض الأشخاص في الغنى أو الصحة أو التكليف، ومصلحة الآخر في نقيضه؛ فكذلك جاز أن تختلف المصلحة باختلاف الأزمان، حتى أن مصلحة بعض أهل الأزمان في المداراة والمساهلة، ومصلحة أهل زمان آخر في الشدة والغلظة عليهم، إلى غير ذلك من الأحوال.
وإذا عرف جواز اختلاف المصلحة باختلاف الأزمان، فلا يمتنع أن يأمر الله تعالى المكلف بالفعل في زمان لعلمه بمصلحته فيه، وينهاه عنه في زمن آخر لعلمه بمصلحته فيه، كما يفعل الطبيب بالمريض، حيث يأمره باستعمال دواء خاص في بعض الأزمنة، وينهاه عنه في زمن آخر بسبب اختلاف مصلحته عند اختلاف مزاجه، وكما يفعل الوالد بولده من التأديب له وضربه في زمان، واللين له والرفق به في زمان آخر على حسب ما يتراءى له من المصلحة. ولهذا خص الشارع كل زمان بعبادة غير عبادة الزمن الآخر، كأوقات الصلوات والحج والصيام، ولولا اختلاف المصالح باختلاف الأزمنة لما كان كذلك.
ومع جواز اختلاف المصالح باختلاف الأزمنة لا يكون النسخ ممتنعًا (1).
الدليل الثاني:
(1) الأحكام للآمدي 3/ 107، نواسخ القرآن 80، مناهل العرفان 2/ 158.
وهو دليل إلزامي للمنكرين أن النسخ لو لم يكن جائزًا عقلًا وواقعًا سمعًا، لما جوزوا أن يأمر الشارع عباده بأمر مؤقت ينتهي بانتهاء وقته لكنهم يجوزون هذا عقلا ويقولون بوقوعه سمعا؛ فليجوزوا هذا؛ لأنه لا معنى للنسخ إلا انتهاء الحكم الأول لميقات معلوم عند الله بيد أنه لم يكن معلوما لنا من قبل ثم أعلمنا الله إياه بالنسخ وهذا ليس بفارق مؤثر.
فقول الشارع مثلًا أول يوم من رمضان صوموا إلى نهاية هذا الشهر مساوٍ لأن يقول أول يوم من رمضان صوموا من غير تقييد بغاية حتى إذا ما انتهى شهر رمضان قال: أول يوم من شوال أفطروا، وهذا الأخير نسخ لا ريب فيه وقد جوز منكروه المثال الأول فليجوزوا هذا المثال الثاني؛ لأنه مساويه والمتساويات يجب أن يتحد حكمهما إلا لما كانا متساويين (1).
الدليل الثالث:
أن الدلالة القاطعة دلت على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ونبوته لا تصح إلا مع القول بنسخ شرع من قبله فوجب القطع بالنسخ.
قال الزرقاني: إن النسخ لو لم يكن جائزًا عقلًا وواقعًا سمعًا لما ثبتت رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، لكن رسالته العامة للناس ثابتة بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة التي يطول شرحها؛ إذن فالشرائع السابقة ليست باقية؛ بل هي منسوخة بهذه الشريعة الختامية، وإذن فالنسخ جائز وواقع. أما ملازمة هذا الدليل فنبرهن عليها بأن نسخه لو لم يكن جائزًا وواقعًا؛ لكانت الشرائع الأولى باقية، ولو كانت باقية ما ثبتت رسالته إلى الناس كافة (2).
الدليل الرابع:
أنه لا يمتنع عقلًا أن يأمر الله بالشيء ثم ينسخ، سواء نسخ قبل الفعل، أو بعده للامتحان والابتلاء، فمن فعل الشيء قبل نسخه، أو عزم على فعله، أو استعد للامتثال، أو ظهرت عليه أي علامة تدل على استعداده لامتثال الأمر قبل أن ينسخ: فإنه يثاب (3).
(1) مناهل العرفان 2/ 158.
(2)
مناهل العرفان 2/ 158.
(3)
المهذب في علم أصول الفقه 2/ 543.