الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14 -
هل المهر والصداق المتقدم والمتأخر موجود عند النصارى؟ فهذا يبطل ادعاء أن ورقة كان قسًا وأنه مارس كهنوته من خلال زواج محمد من خديجة.
15 -
هل سأل الكاهن المكلل الحاضرين: من له اعتراض على الزواج فليتكلم، أو ليصمت إلى الأبد؟
16 -
القول بأن الزواج كان نصرانيًا، ودليلهم على زواج محمد من خديجة يتناقض مع قول بعض النصارى إن الإسلام مأخوذ عن النصرانية بدليل أن الهراطقة تمانع تعدد الزوجات؟
17 -
ومما قد يعكر أيضًا على ثبوت خطبة ورقة أن هناك إحدى الروايات تشير لعدم وجوده في زواج محمد من خديجة، ففي كتاب الكامل للمبرد قال: ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطب خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ذُكر لورقة بن نوفل فقال: محمد بن عبد الله يخطب خديجة بنت خويلد الفحل لا يقدع أنفه (1).
فهذا يدل على أن الزواج حدث ثم أُخبر ورقة بذلك، وأنه لم يحضر لعارض حدث له من سفر أو مرض، وقيل: لم يحضر؛ لأنه كان يريد الزواج من خديجة فاستحيا من الحضور وبالرغم من ذلك لم يُسقط من قدر النبي صلى الله عليه وسلم.
شبهة: دور أبي طالب في زواج النبي صلى الله عليه وسلم
-.
نص الشبهة: تتعلق بخطبة أبي طالب أثناء زواج النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة؛ حيث ألح أبو طالب على سيدنا محمد أن يعمل عند خديجة رضي الله عنها، وذلك لتأثير أبي طالب على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المخطط الذي يُنفذ على يد أبي طالب وخديجة، ويَكمُن اشتراكُ أبي طالب في ذلك قوله:(وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم، وخطر جليل) فهذا التوقع يدل على تواطئه مع ورقة، إذن لم تبخل علينا كتب السير والأخبار فيما كان عليه القس والعم والزوجة، لقد كان لكل منهم دوره فيما دبَّر الله على أيديهم.
(1) الكامل في اللغة والأدب 1/ 42، زهر الأكم في الأمثال والحكم 1/ 274.
قال اليوسي: أي: كريم يروم كريمة، فلا سبيل إلى التعرض له دونها وصده عنها، وهو أشرف أكفائها؛ زهر الأكم في الأمثال والحكم (1/ 274).
والرد على الشبهة من وجوه:
الوجه الأول: افتراء المعتدين.
إن هذا القول ما هو إلا سراب وأوهام ألقاها الشيطان في قلوب أعداء الدين، فبنوا أقوالهم على غير أصل، وكذبوا كذبة ثم صدقوها، وعلى أساسها وقعت الشبهة عندهم، ووالله لولا أن بعض هؤلاء نطق بهذا السخف وشغّب به ما كنا نلتفت إلى رده وقمعه، ولكن ماذا نصنع مع قلوب عمي، وآذان صم، ورحم الله من قال:
وليس يصح في الأذهان شيء
…
إذا احتاج النهار إلى دليل.
الوجه الثاني: هل أبو طالب مكلف من ورقة لإقناع النبي صلى الله عليه وسلم بالزواج من خديجة؟
فإن أبا طالب كان مشركًا، كيف بمشرك يحقق الأهداف التي يرمي إليها القس ورقة لتنصير محمد صلى الله عليه وسلم، هل القساوسة يحققون أهدافهم الدينية عن طريق المشركين؟ ! نعم، قد يساعدك مشرك في أمور الدنيا، ولكن لا يمكن أن يشاركك أهدافك الدينية وغاياتك الأساسية، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل أن يشاركه أحد المشركين في الجهاد، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكلف أبا طالب بالدفاع عنه، ثم دفاعه هذا لم يقصد به دفاعًا عن الدين ولكنه كان دفاعًا عن العصبية.
الوجه الثالث: قول أبي طالب: (وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل).
يدل على أن أبا طالب كان يتفرس في النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون له شأنٌ عظيمٌ؛ بغض النظر عن هذا الشأن أنه سيكون له بسبب كونه سيصير نبيًا أو ملكًا أو غير ذلك.
ففي هذه الرواية - بافتراض صحتها - ليس فيها تخصيص صريح بأن هذا الشأن هو النبوة؛ لذلك لا نستطيع أن نبني عليه حكمًا.
* أبو طالب كان يتفرس في النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون له شأنٌ عظيمٌ منذ صغره، فمن العرب من كان يتفرس في المولود الرضيع مثل تفرس الأعرابي في معاوية أنه سيكون مَلِكًا.
ولعل أوضح مثال على ذلك تفرس عبد المطلب في أنه سيكون للنبي شأنٌ، فقد كان يجلسه على أريكته ولم يفعل ذلك مع أولاده لا في صغرهم ولا كبرهم.
قال ابن إسحاق: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله قال: كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة وكان لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالًا له، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي حتى يجلس عليه، فيذهب أعمامه يؤخرونه فيقول جده: دعوا ابني، فيمسح ظهره ويقول: إن لابني هذا لشأنًا.
وروى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنه مثله؛ وزاد: دعوا ابني يجلس فإنه يحس من نفسه بشيء، وأرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغه عربي قبله ولا بعده.
وروى ابن سعد وابن عساكر عن الزهري ومجاهد ونافع وابن جبير قالوا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس على فراش جده فيذهب أعمامه ليؤخروه فيقول عبد المطلب: دعوا ابني ليؤنس ملكًا. وقال قوم من بني مدلج لعبد المطلب: احتفظ به فإنا لم نرَ قدمًا أشبه بالقدم التي في المقام منه. وقال عبد المطلب لأم أيمن: يا بركة احتفظي به، لا تغفلي عنه؛ فإن أهل الكتاب يزعمون أنه نبي هذه الأمة (1).
فهل عبد المطلب ومن كان من قوم بني مدلج: كلهم متواطئون مع ورقة بن نوفل.
الوجه الرابع: سبب عمل النبي صلى الله عليه وسلم عند خديجة.
عمل النبي صلى الله عليه وسلم عند خديجة لا لأنه يريد الزواج منها، ولا لأن أبا طالب ألحَّ عليه لخطة مرسومة؛ ولكن لضعف الحالة الاقتصادية في مكة، مما ألجأ الكثير من أهلها للعمل في التجارة؛ قال تعالى:{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} [قريش 1: 2]، فما كان لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يظل مشتغلًا بالرعي تلك المهنة قليلة الدخل التي يستطيع الطفل أن يشتغل بها، لذلك نرى كثيرًا من أطفال أهل البادية يسرحون بقطيع من الغنم ولا يجدون صعوبة بالغة في ذلك.
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 70، دلائل النبوة لأبي نعيم 1/ 119، الخصائص الكبرى للسيوطي 1/ 137، سبل الهدى والرشاد 2/ 129 في كفالة عبد المطلب.
عن أم سعد بن الربيع عن نفيسة بنت أمية أخت يعلى سمعتها تقول: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسًا وعشرين سنة وليس له بمكة اسم إلا الأمين؛ لما تكاملت فيه من خصال الخير. قال له أبو طالب: يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا، وألحت علينا سنون منكرة ليس لنا مادة ولا تجارة، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالًا من قومك في عيراتها؛ فيتجرون لها ويصيبون منافع، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك وفضلتك على غيرك؛ لما يبلغها من طهارتك، وإني كنت لأكره أن تأتي الشام وأخاف عليك من اليهود، ولكن لا نجد من ذلك بدًا، وكانت خديجة امرأة تاجرة ذات شرف ومال كثير وتجارة، وتبعث بها إلى الشام فيكون عيرها كعامة عير قريش، وكانت تستأجر الرجل وتدفع إليه المال مضاربة، وكانت قريش قومًا تجارًا من لم يكن تاجرًا فليس عندهم بشيء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلعلها أن ترسل إليَّ في ذلك. قال أبو طالب: إني أخاف أن تُولي غيرك؛ فتطلب أمرًا مدْبرًا، فافترقا فبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له، وقبل ذلك ما قد بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه، فقالت: ما دريت أنه يريد هذا، ثم أرسلت إليه فقالت: إنه قد دعاني إلى البعثة إليك ما بلغني من حديثك وعظم أمانتك وكرم أخلاقك، وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلًا من قومك، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقي أبا طالب فقال له ذلك فقال: إن هذا لرزق ساقه الله إليك (1).
الوجه الخامس: ورد في السيرة أن أبا طالب قال لخديجة لما أخبرته بعزمها الزواج من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: أن خديجة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: اذهب إلى عمك فقل له: عجل إلينا بالغداة، فلما جاء قالت له: يا أبا طالب، ادخل على عمروٍ عمي فكلمه يزوجني من ابن أخيك محمد بن عبد الله، فقال أبو طالب: يا خديجة لا تستهزئي، فقالت: هذا صنع الله، فقام أبو طالب مع عشرة من قومه (2).
فقول أبي طالب: يا خديجة لا تستهزئي دليل على أنه لم يكن من (المخططين) لهذا الزواج.
(1) دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني 105، نهاية الأرب في فنون الأدب 4/ 242، عيون الأثر لابن سيد الناس 1/ 69؛ ذكر سفره صلى الله عليه وسلم إلى الشام مرة ثانية وتزويجه خديجة.
(2)
السيرة الحلبية 1/ 226، سبل الهدى والرشاد 2/ 164 (الباب الرابع عشر في نكاحه صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد.