الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على هذه التلاوة، ومن الاستمتاع بما حوته تلك الآيات المنسوخة من بلاغة، ومن قيام معجزات بيانية أو علمية أو سياسية بها (1).
المبحث التاسع: أنواع الناسخ
.
ينقسم النسخ بالنظر إلى دليله إلى أقسام متعددة، يمكن جمعها في قسمين: قسم متفق على جوازه، وقسم مختلف فيه.
أولًا: القسم المتفق على جوازه وهو:
1 -
نسخ القرآن بالقرآن.
2 -
نسخ السنة المتواترة والأحادية بالسنة المتواترة.
3 -
نسخ الآحاد من السنة بالآحاد وبالمتواتر.
لا خلاف في جواز نسخ القرآن بالقرآن، ونسخ السنة المتواترة بالسنة المتواترة، وجواز نسخ الآحاد بالآحاد، ونسخ الآحاد بالمتواتر (2).
ثانيًا: القسم المختلف فيه
فيمكن بيانه في ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: نسخ القرآن بالسنة
.
ذهب جمهور الأصوليين إلى أنه يجوز نسخ القرآن بالسنة (3).
وذهب الإمام الشافعي وأحمد في رواية إلى أنه لا يجوز نسخ القرآن بالسنة (4).
قال الجصاص: وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ فِي امْتِنَاعِ جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَةَ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَتْ لَا تَكُونُ خَيْرًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَهَذَا إغْفَالٌ مِنْ قَائِلِهِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ المُرَادُ: "بِخَيْرٍ مِنْهَا فِي التِّلَاوَةِ وَالنَّظْمِ" لِاسْتِوَاءِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي
(1) مناهل العرفان (2/ 163).
(2)
نواسخ القرآن (97)، شرح الكوكب المنير (3/ 559)، البرهان في علوم القرآن (2/ 32).
(3)
الإبهاج شرح المنهاج (5/ 1699)، الأحكام للآمدي (3/ 138)، شرح الكوكب المنير (3/ 563)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (2/ 58)، إرشاد الفحول (191).
(4)
الرسالة (106)، روضة الناظر (1/ 257)، نواسخ القرآن (97).
إعْجَازِ النَّظْمِ، وَالْآخِرُ اتِّفَاقُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ النَّظْمَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ إمَّا التَّخْفِيفُ أَوْ الْمَصْلَحَةِ.
وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بِالسُّنَّةِ كَمَا يَكُونُ بِالْقُرْآنِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إنَّهُ أَرَادَ التِّلَاوَةَ، فَدَلَالَةُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ أَظْهَرُ مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى امْتِنَاعِ جَوَازِهِ بِهَا. وَأَيْضًا فَإِنَّ حَقِيقَةَ ذَلِكَ إنَّمَا تَقْتَضِي نَسْخَ التِّلَاوَةِ، وَلَيْسَ لِلْحُكْمِ فِي الْآيَةِ ذِكْرٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} وَالْآيَةُ إنَّمَا هِيَ اسمٌ لِلتِّلَاوَةِ، وَلَيْسَ فِي نَسْخِ التِّلَاوَةِ مَا يُوجِبُ نَسْخَ الْحُكْمِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ:"مَا نَنْسَخْ مِنْ تِلَاوةِ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا لَكُمْ مِنْ مُحْكَمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّنَّةِ أَوْ غَيْرِهَا"(1).
قال القرطبي: وحذاق الأئمة على أن القرآن ينسخ بالسنة. . . وهو ظاهر مسائل مالك.
وأبى ذلك الشافعي وأبو الفرج المالكي، والأول أصح، بدليل أن الكل حكم الله تعالى ومن عنده وإن اختلفت في الأسماء. (2)
وأختم بهذا الكلام النفيس:
قال ابن حزم: اختلف الناس في هذا (نسخ القرآن بالسنة والسنة بالقرآن) بعد أن اتفقوا على جواز نسخ القرآن بالقرآن، وجواز نسخ السنة بالسنة، فقالت طائفة: لا تنسخ السنة بالقرآن ولا القرآن بالسنة، وقالت طائفة: جائز كل ذلك، والقرآن ينسخ بالقرآن وبالسنة، والسنة تنسخ بالقرآن وبالسنة.
قال ابن حزم: وبهذا نقول وهو الصحيح، وسواء عندنا السنة المنقولة بالتواتر والسنة المنقولة بأخبار الآحاد، كل ذلك ينسخ بعضه بعضًا، وينسخ الآيات من القرآن، وينسخه الآيات من القرآن، وبرهان ذلك ما بيناه في باب الأخبار من هذا الكتاب، من وجوب الطاعة لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، كوجوب الطاعة لما جاء في القرآن ولا فرق، وأن كل ذلك من عند الله
(1) أحكام القرآن للجصاص (1/ 60: 59).
(2)
الجامع لأحكام القرآن (2/ 58).