الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيَا لَيْتِي إذَا مَا كَانَ ذَاكُمْ
…
شَهِدْت فَكُنْت أَوّلَهُمْ وُلُوجَا
وُلُوجًا فِي الّذِي كَرِهَتْ قُرَيْشٌ
…
وَلَوْ عَجّتْ بِمَكّتِهَا عَجِيجًا
أَرُجّيَ بِالّذِي كَرِهُوا جَمِيعًا
…
إلَى ذِي الْعَرْشِ إنْ سَفَلُوا عُرُوجَا
وَهَلْ أَمْرُ السّفَالَةِ غَيْرُ كُفْرٍ
…
بِمَنْ يَخْتَارُ مِنْ سُمْكِ الْبُرُوجَا
فَإِنْ يَبْقَوْا وَأَبْقَ تَكُنْ أُمُورٌ
…
يَضِجّ الْكَافِرُونَ لَهَا ضَجِيجَا
وَإِنْ أَهْلِكْ فَكُلّ فَتًى سَيَلْقَى
…
مِنْ الْأَقْدَارِ مَتْلَفَةً خَرُوجَا (1)
قال ابن كثير: فشعره يدل على إضماره الإيمان وعقده عليه وتأكده عنده (2).
ثالثا: لقاء ورقة بمحمد صلى الله عليه وسلم عند نزول الوحي:
الوجه الأول: جمع الروايات التي تشير إلى لقاء ورقة بمحمد صلى الله عليه وسلم عند نزول الناموس عليه
.
تُحدثنا كتب الحديث الصحاح عن لقاء تم بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين ورقة، بعد أن بلغ من الكبر عتيًا فعمي، وذلك حين تنزل على محمد ملكُ الوحي في غار حراء، وقد حملت محمدًا زوجُه خديجةُ على لقيا ورقة ليستفسر عن حقيقة هذا الذي دخل عليه الغار بتلك الطريقة المهيبة، (فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي، مَاذَا ترَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم خَبَرَ مَا رَأى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ الله عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟ ! قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ (3).
ولا أحب الاقتصار على رواية أصح الكتب بعد القرآن وهو صحيح الإمام البخاري، بل أسرد من المصادر التي يحتج بها المستشرقون عادة، ومنهم (واط) وهي كتب التاريخ،
(1) الروض الأنف 1/ 329، سيرة ابن هشام 1/ 191، سبل الهدى والرشاد 2/ 160.
(2)
السيرة النبوية 1/ 399.
(3)
البخاري (3).
وفي مقدمتها تاريخ الطبري.
ذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في رواية في تاريخه: أن خديجة طمأنت زوجها. ثم قال: فأتت خديجة ورقة بن نوفل فأخبرته الخبر، فقال: لئن كنت صادقة إن زوجك لنبي، وليلقين من أمته شدة، ولئن أدركته لأؤمنن به (1).
وروى الطبري في رواية أخرى طويلة: أن خديجة بعد أن طمأنت زوجها (انطلقت إلى ورقة ابن نوفل بن أسد؛ وهو ابن عمها، وكان ورقة قد تنصر، وقرأ الكتب، وسمع من أهل التوراة والإنجيل، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى وسمع، فقال ورقة: قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر - يعني بالناموس: جبريل عليه السلام الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له فليثبت، فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بقول ورقة فسهَّل ذلك عليه بعض ما هو فيه من الهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف صنع كما كان يصنع وبدأ بالكعبة فطاف بها، فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالبيت فقال: يابن أخي، أخبرني بما رأيت أو سمعت، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ورقة: والذي نفسي بيده، إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء إلى موسى، ولتكذبنه ولتؤذينه ولتخرجنه ولتقاتلنه، ولئن أنا أدركت ذلك لأنصرن الله نصرًا يعلمه، ثم أدنى رأسه فقبل يأفوخه *، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله، وقد زاده ذلك من قول ورقة ثباتًا، وخفف عنه بعض ما كان فيه من الهم (2).
ونصت رواية ابن سعد أن خديجة ذهبت لوحدها إلى ورقة بن نوفل، فأعلن إيمانه ويقينه بأن هذا الحدث هو وحي الله، وتعهد بنصرة الرسول وتأييده، فلم يترك بذلك مجالًا لتوهم الأخذ عنه، وليس امرؤ لديه علم بدين الله تعالى وهو على حافة القبر يستسيغ أن
(1) تاريخ الطبري (1/ 562).
* اليأْفوخ حيث التقى عظم مقدَّم الرأْس وعظم مؤخره؛ لسان العرب لابن منظور (أفخ). واليَأفوْخُ: مقَدَّمُ الرَّأس؛ المحيط في اللغة للصاحب بن عباد (أفخ).
(2)
تاريخ الطبري 1/ 533.