الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثال: عن المسيب قال: لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أمية فقال: أي عم قل لا إله إلا الله أُحاجُّ لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال: هو على ملة عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنه عنه، فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة: 113] (1).
وعن علي رضي الله عنه قال: سمعت رجلًا يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت: تستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت (2).
فنجمع بين هذه الأحاديث بتعدد النزول (3).
المسألة السابعة: قد يكون في إحدى القصتين (فتلا) فَيَهِمُ الراوي فيقول (فنزل)، أو تكون بلفظ (فقرأ) وتأتي في الرواية الأخري (فنزل)
.
مثال: عن ابن عباس قال: مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السموات على ذه، والأرضين على ذه، والماء على ذه، والجبال على ذه، وسائر الخلق على ذه؟ فأنزل الله {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] (4).
والحديث في الصحيح بلفظ: (فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو الصواب فإن الآية مكية (5).
وهذا الحديث عند البخاري بلفظ: (فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم).
الوجه الثالث: فوائد معرفة أسباب النزول
.
قال الزرقاني: لأسباب النزول فوائد متعددة لا فائدة واحدة، ومن تلك الفوائد:
(1) البخاري 3/ 263. ومسلم 1/ 54/ 39.
(2)
الترمذي 5/ 281/ 3101 قال الألباني: حسن. تلخيص أحكام الجنائز 1/ 48.
(3)
الإتقان 1/ 96: 95، والبرهان 1/ 29.
(4)
الترمذي 5/ 371/ 3240، وأصله في البخاري (4811).
(5)
الإتقان 1/ 96.
الأولى: معرفة حكمة الله تعالى على التعيين فيما شرعه بالتنزيل، وفي ذلك نفع للمؤمن وغير المؤمن؛ أما المؤمن فيزداد إيمانًا على إيمانه، ويحرص كل الحرص على تنفيذ أحكام الله، والعمل بكتابه لما يتجلى له من المصالح والمزايا التي نيطت بهذه الأحكام ومن أجلها جاء هذا التنزيل. وأما الكافر فتسوقه تلك الحِكم الباهرة إلى الإيمان إن كان منصفًا حين يعلم أن هذا التشريع الإسلامي قام على رعاية مصالح الإنسان لا على الاستبداد والتحكم والطغيان، خصوصًا إذا لاحظ سير ذلك التشريع وتدرجه في موضوع واحد، وحسبك شاهدًا على هذا تحريم الخمر وما نزل فيه.
الثانية: الاستعانة على فهم الآية ودفع الإشكال عنها.
حتى لقد قال الواحدي: لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها.
وقال ابن تيمية: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية؛ فإن العلم بالمسبب يورث العلم بالسبب.
الثالثة: دفع توهم الحصر عما يفيد بظاهره الحصر نحو قوله سبحانه: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145].
الرابعة: تخصيص الحكم بالسبب عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب، وبدون معرفة السبب تصير الآية معطلة خالية من الفائدة.
الخامسة: معرفة أن سبب النزول غير خارج عن حكم الآية إذا ورد مخصص لها، وذلك لقيام الإجماع على أن حكم السبب باق قطعًا، فيكون التخصيص قاصرًا على ما سواه، فلو لم يعرف سبب النزول، لجاز أن يفهم أنه مما خرج بالتخصيص مع أنه لا يجوز إخراجه قطعًا للإجماع المذكور.
السادسة: معرفة من نزلت فيه الآية على التعيين حتى لا يشتبه بغيره؛ فيتهم البريء ويبرأ المريب مثلًا؛ ولهذا ردت عائشة على مروان حين اتهم أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر
بأنه الذي نزلت فيه آية {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} [الأحقاف: 17]، وقالت: والله ما هو به ولو شئت أن أسميه لسميته إلى آخر تلك القصة.
السابعة: تيسير الحفظ وتسهيل الفهم وتثبيت الوحي في ذهن كل من يسمع الآية إذا عرف سببها؛ وذلك لأن ربط الأسباب بالمسببات، والأحكام بالحوادث، والحوادث بالأشخاص والأزمنة والأمكنة، كل أولئك من دواعي تقرر الأشياء وانتقاشها في الذهن وسهولة استذكارها عند استذكار مقارناتها في الفكر (1).
* * *
(1) مناهل العرفان 1/ 92: 91.