الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثًا: توجيه قول الحاكم:
قال الحاكم رحمه الله تعالى: ذاهب الحديث. لم يذكر التوجيه.
الوجه الخامس: هناك فرق بين التوثيق للحديث والتوثيق للقراءة
.
قال الذهبي في ترجمة عاصم: وما زال في كل وقت يكون العالم إمامًا في فن مقصرًا في فنون (1).
فقد يكون الإمام متقنًا لفن من الفنون، ومُبَرِّزًا في علم من العلوم؛ لكونه أنفق فيه جل حياته، واعتنى بطلبه وتدريسه عناية فائقة، بينما يكون مقصرًا في فن آخر؛ لعدم إعطائه تلك العناية، فيكون عمدة في فنه الذي ضبط معرفته وأتقنه، وتنزل مرتبته فيما قصّر فيه؛ بل قد يكون فيه غير معتمد.
ومن ضوابط الترجيح بين الجرح والتعديل عند التعارض من المسائل التي شغلت بال المشتغلين بالحديث ومصطلحه تنازع الجارحين والمعدلين في الراوي الواحد. فيجتمع فيه جرح الجارحين وتعديل المعدلين، وقد تكلم علماؤنا في مثل هذا، فقالوا: إذا اجتمع في شخص جرح وتعديل، فالجرح مقدم؛ لأن المعدل يخبر عما ظهر من حاله، والجارح يخبر عن باطن خفي على المعدل (2).
من هذه الضوابط: اعتبار ما إذا كان للراوي تميز واختصاص في نوع من علوم الشرع فيوثق في ذلك العلم خاصة دون غيره. إذا لم يثبت عليه ما يسقط روايته مطلقًا، وأما في سوى ذلك فقد تقصر درجته عن الاحتجاج أو حتى عن الاعتبار.
مثال ذلك: عاصم بن أبي النجود المقرئ المشهور وأحد القراء السبعة. يقول فيه الذهبي: (كان عاصم ثبتا في القراءة، صدوقا في الحديث، وقد وثقه أبو زرعة، وجماعة. وقال أبو حاتم: محله الصدق، وقال الدارقطني: في حفظه شيء. يعني: للحديث لا
= وأمّا إن كانت عدالة الرّاوي أضعف من عدالة الجارح، فإنّ الجرح هنا يقبل إلا أن تقتضي القرائن والعادة والحال - من العداوة ونحوها - أنّ الجارح واهم في جرحه أو كاذب. الروض الباسم لابن الوزير 2/ 216.
(1)
سير أعلام النبلاء 5/ 260.
(2)
مقدمة ابن الصلاح (224).
للحروف. فقد يكون إمامًا في القراءات ولكنه غير قوي في الحديث: وكذلك جماعة من القُرّاء أثباتٌ في القراءة دون الحديث كنافع، والكسائي، وحفص فإنهم نهضوا بأعباء الحروف وحرّروها، ولم يصنعوا ذلك في الحديث. وكذلك أبو بكر بن عياش الأسدي إمام في القراءات أما الحديث فيأتي بغرائب ومناكير. (1)
وكذلك عمر بن هارون بن يزيد الثقفي البلخي.
قال الذهبي:
ولا ريب في ضعفه، وكان إمامًا حافظًا في حروف القراءات (2).
وقال: والنقاش مجمع على ضعفه في الحديث لا في القراءات (3).
وكذلك الحسن بن علي بن إبراهيم الأهوازي: كان رأسًا في القراءات معمرًا بعيد الصيت صاحب حديث ورحلة وإكثار، وليس بالمتقن له ولا المجود؛ بل هو حاطب ليل (4).
وقد يكون إمامًا في التفسير ولكنه غير قوي في الحديث:
مثال: الضحاك بن مزاحم الهلالي الخراساني، قال عنه الذهبي: صاحب التفسير. . . . وليس بالمجود لحديثه (5).
قد يكون ثبتًا في الحديث ضعيفًا في القراءات:
وكذلك الأعمش كان ثبتًا في الحديث لينًا في الحروف والقراءات. قال الذهبي: وكان الأعمش بخلافه - أي حفص - كان ثبتًا في الحديث، لينًا في الحروف، فإن للأعمش قراءة منقولة في كتاب "المنهج" وغيره لا ترتقي إلى رتبة القراءات السبع، ولا إلى قراءة يعقوب وأبي جعفر والله أعلم. (6)
(1) سير أعلام النبلاء 8/ 505.
(2)
تذكرة الحفاظ 1/ 341.
(3)
سير أعلام النبلاء 17/ 506.
(4)
سير أعلام النبلاء 18/ 13.
(5)
سير أعلام النبلاء 4/ 598.
(6)
سير أعلام النبلاء 5/ 260.
وقد يكون إمامًا في المغازي غير مجود في الحديث:
مثال ابن إسحاق: قال الذهبي: فله ارتفاع بحسبه ولا سيما في السير، وأما في الأحاديث فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن، إلا فيما شذ فإنه يعد منكرًا. وقال أيضًا: قد كان في المغازي علَّامة. (1)
وكذلك سلمة بن الفضل الرازي، قال عنه الذهبي: كان قويًا في المغازي، وقد سمع منه ابن المديني وتركه (2).
وقال البخاري: عنده مناكير، وقال النسائي: ضعيف.
وكذلك الواقدي. قال عنه الذهبي: لا يستغنى عنه في المغازي وأيام الصحابة وأخبارهم. وقال النسائي: ليس بثقة، وقال مسلم وغيره: متروك الحديث.
وقد يكون إمامًا في الفقه ضعيفًا في الحديث:
الإمام أبو حنيفة: إليه المنتهى في الفقه، والناس عليه عيال في الفقه، قال الذهبي: الإمامة في الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الإمام، وهذا أمر لا شك فيه (3)، وضعفه من جهة حفظه في الحديث النسائي وابن عدي والخطيب.
قال النسائي: ليس بالقوي في الحديث. (4)
إمام الحرمين الشافعي الجويني: يقول الذهبي: كان هذا الإمام مع فرط ذكائه وإمامته في الفروع والأصول وقوة مناظرته لا يدري الحديث كما يليق به، لا متنًا ولا إسنادًا. (5)
محمد بن عبد الله الإشبيلي المالكي: قال الذهبي: وكان كبير الشأن، انتهت إليه رئاسة الحفظ في الفتيا، وقُدم للشورى من سنة إحدى وعشرين، وعظم جاهه، ونال دنيا
(1) المصدر السابق 7/ 37.
(2)
المصدر السابق 9/ 50.
(3)
المصدر السابق 6/ 403.
(4)
الضعفاء والمتروكون (237)
(5)
سير أعلام النبلاء 18/ 471.