الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى الرغم من أن عبارة يعقوب لم تمس سبب العقدة الأصلية في القصة وهي رؤيا يوسف وتآمر إخوته عليه، فإن القاصّ في التوراة يكمل الأحداث بعد هذا اللقاء ليصف لقاء يعقوب بالفرعون، والمكان الذي أقطعه لبني إسرائيل، ومرض يعقوب وموته.
أما ختام القصص في القرآن فيكون غالبًا في شكل عبرة، أو عظة، أو حكمة، أو تقرير موجز. (1)
كما في قصة السامري مع العجل: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)} [طه: 98]، وفي قصة أهل الكهف:{قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)} [الكهف: 26]، وفي قصة يوسف:{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)} [يوسف: 100]، وفي قصة مريم وابنها المسيح:{ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35)} [مريم: 34، 35].
الوجه العاشر: تباين أهداف القصص في القرآن والتوراة والإنجيل
.
تختلف أهداف القصة في التوراة والإنجيل عنها في القرآن، وذلك على النحو التالي:
أ - أهداف القصة في التوراة والإنجيل.
يمثل العهد القديم والجديد سجلا تاريخيًّا لحياة الشعب الإسرائيلي والنصراني، فهو كتاب تاريخ وتأريخ للاعتقاد والرؤساء والأنساب والتقاليد والنظم الاجتماعية والعلاقات الشخصية؛ لذلك جاءت عناوين الأسفار ملخّصة لمضمون تاريخها، مثل سفر التكوين الذي يؤرخ لبدء الخليقة، وسفر الخروج الذي يؤرخ لخروج اليهود من مصر،
(1) القرآن ونظرية الفن لحسين محمد علي ص 113.
وسفر العدد الذي يحصي أعدادهم، وسفر اللاويين الذي يؤرخ لأحكام الكهنة من بني لاوي، وسفر التثنية الذي يعيد الأحكام والفروض والوصايا.
ولما كان الهدف من الكتابين التأريخ جاءت القصص فيهما في إطار الهدف العام، فجاءت سردية تأريخية متنوعة ما بين التأريخ للأنساب كما في الإحصاءات التي يقوم بها العهد القديم لأعداد بني إسرائيل الداخلين إلى مصر والخارجين منها والداخلين إلى فلسطين والمهجّرين منها. . . . إلخ.
وكذلك التأريخ لنسب المسيح كما في شجرتي النسب الشهيرتين لدى متى ولوقا في العهد الجديد.
وما بين التأريخ للسير الذاتية والتيارات الأدبية، كما في خطابات بولس الشخصية لأصدقائه. تيموتاوس العهد الجديد، رسالة بولس الأولى إلى تيموتاوس، فيلمون، وكما في التأريخ لقصائد داود في المناسبات المختلفة. (1)
وما بين القصص التأريخي للأحداث، مثل إنجيل لوقا الذي يصرح مؤلفه أن قصصه تأريخ لأحداث جرت بذكرها الألسنة. يقول لوقا (1/ 1 - 5): 1 إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا، 2 كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ، 3 رَأَيْتُ أَنَا أَيْضًا إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَوَّلِ بِتَدْقِيق، أَنْ أَكْتُبَ عَلَى التَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ، 4 لِتَعْرِفَ صِحَّةَ الْكَلَامِ الَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ.
وفي سفر أعمال الرسل يخبر الكاتب أن قصصه تكملة لمشروع القصص التأريخي الذي بدأه في كتابه إلى ثاوفيلس وتوقف فيه عند رفع المسيح. (2) وربما يكون هذا الهدف التأريخي أحد أهم أسباب مجيء القصص التوراتي والإنجيلي سرديًّا باردًا غير مؤثر وجدانيًّا في المتلقي أو مشوق له.
ب - أهداف القصص القرآني:
(1) العهد القديم، سفر المزامير، مزمور رقم: 45، 52، 54، 85، 89.
(2)
العهد الجديد، سفر أعمال الرسل (1/ 1 - 9).
القصص القرآني ليس مسوقًا لذاته، بل لأجل غايات وأهداف كثيرة يمكن إدراكها بالتفكير والتأمل في القصص؛ لقوله تعالى:{فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176]. ومن هذه الأهداف:
1 -
الاستدلال على التوحيد، وهو من أهم أهداف القصص القرآني، كما في قصص إبراهيم مع قومه، ونوح مع قومه، وموسى مع فرعون. . . . إلخ.
2 -
تثبيت الرسول والمؤمنين على الحق الذي يدعون إليه رغم ما يلقونه من مشقة ويتكبدونه من تضحيات، قال تعالى:{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود: 120].
3 -
الحكم والفصل في مواضع الاختلاف والتضارب في قصص التوراة والإنجيل، قال تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)} [النمل: 76]، ولعل هذا الهدف الذي حدده القرآن لقصصه أبلغ رد وأوقع دليل على تهافت دعوى الجدليات التنصيرية بأن القرآن تكرار للقصص في التوراة والإنجيل؛ لأنه يتضمن التفسير المقنع لمواضع التشابه بين القصص القرآني وقصص الكتب السابقة، فما جاءت به الكتب السابقة في مقام ادعاء المدعي، أما قصص القرآن فهو حقيقة الحدث الذي جرى يحكيه القاضي الفاصل في دعوى المدّعي، مبيِّنا به وجه الخطأ والصواب في مزاعم الادعاء ومقررًا الحقيقة التاريخية في الحدث لكل العالمين.
4 -
العظة والاعتبار، قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف: 111]، ويمكن القول: إن معظم قصص القرآن يُقصد به العظة والاعتبار من باب: إما قياس الطرد وإما قياس العكس، فما يحيق بالمشركين وبمخالفي الرسل هو جزاء كل من جاء بمثل فعلهم، أما من جاء بعكس فعلهم فله عكس جزائهم.
ولذلك حينما يورد القرآن قصص الفساد الأخلاقي لدى الأمم السابقة، يقرن ذلك بما تلاه من جزاء ومصير ناله المفسدون، ويصدّر ذلك بطلب النظر والتأمل في التلازم بين