الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الأول: القرآن محفوظ بحفظ الله تعالى فالله له الحكمة البالغة
قال الله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)} [النحل: 101، 102].
قال الطبري: يقول تعالى ذكره: وإذا نسخنا حكم آية، فأبدلنا مكانه حكم أخرى، والله أعلم بما ينزل: يقول: والله أعلم بالذي هو أصلح لخلقه فيما يبدِّل ويغير من أحكامه، قالوا: إنما أنت مفتر يقول: قال المشركون بالله، المكذبو رسوله لرسوله: إنما أنت يا محمد مفتر: أي مكذب تخرص بتقوّل الباطل على الله، يقول الله تعالى بل أكثر هؤلاء القائلين لك يا محمد: إنما أنت مفتر جهال، بأنّ الذي تأتيهم به من عند الله ناسخه ومنسوخه، لا يعلمون حقيقة صحته. (1)
ولذا قال الله تعالى عقب هذه الآية (آية سورة البقرة): {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107)} [البقرة: 106، 107].
قال ابن كثير: يرشد تعالى بهذا إلى أنه المتصرف في خلقه بما يشاء، فله الخلق والأمر وهو المتصرف، فكما خلقهم كما يشاء، ويسعد من يشاء، ويشقي من يشاء، ويصح من يشاء، ويمرض من يشاء، ويوفق من يشاء، ويخذل من يشاء، كذلك يحكم في عباده بما يشاء، فيحل ما يشاء، ويحرم ما يشاء، ويبيح ما يشاء، ويحظر ما يشاء، وهو الذي يحكم ما يريد لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ويختبر عباده وطاعتهم لرسله بالنسخ، فيأمر بالشيء لما فيه من المصلحة التي يعلمها تعالى، ثم ينهى عنه لما يعلمه تعالى .. فالطاعة كل الطاعة في امتثال أمره واتباع رسله في تصديق ما أخبروا. وامتثال ما أمروا. وترك ما عنه زجروا. وفي هذا المقام رد عظيم وبيان بليغ لكفر اليهود وتزييف شبهتهم -
(1) تفسير الطبري (14/ 176).
لعنهم الله - في دعوى استحالة النسخ إما عقلا كما زعمه بعضهم جهلا وكفرا، وإما نقلا كما تخرصه آخرون منهم افتراءً وإفكًا.
قال الطبري: فتأويل الآية: ألم تعلم يا محمد أن لي ملك السماوات والأرض وسلطانهما دون غيري، أحكم فيهما وفيما فيهما بما أشاء، وآمر فيهما وفيما فيهما بما أشاء، وأنهى عما أشاء، وأنسخ وأبدل وأغير من أحكامي التي أحكم بها في عبادي ما أشاء إذا أشاء، وأقر فيهما ما أشاء.
ثم قال: وهذا الخبر وإن كان من الله تعالى خطابا لنبيه صلى الله عليه وسلم على وجه الخبر عن عظمته، فإنه منه تكذيب لليهود الذين أنكروا نَسْخَ أحكام التوراة، وجحدوا نبوة عيسى ومحمد، عليهما الصلاة والسلام، لمجيئهما بما جاءا به من عند الله بتغير ما غير الله من حكم التوراة. فأخبرهم الله أن له ملك السماوات والأرض وسلطانهما، وأن الخلق أهل مملكته وطاعته وعليهم السمع والطاعة لأمره ونهيه، وأن له أمرهم بما يشاء، ونهيهم عما يشاء، ونسخ ما يشاء، وإقرار ما يشاء، وإنشاء ما يشاء من إقراره وأمره ونهيه.
وأمر إبراهيم عليه السلام بذبح ولده، ثم نسخه قبل الفعل، وأمر جمهور بني إسرائيل بقتل من عبد العجل منهم، ثم رفع عنهم القتل كيلا يستأصلهم القتل.
قلت: الذي يحمل اليهود على البحث في مسألة النسخ، إنما هو الكفر والعناد، فإنه ليس في العقل ما يدل على امتناع النسخ في أحكام الله تعالى؛ لأنه يحكم ما يشاء كما أنه يفعل ما يريد، مع أنه قد وقع ذلك في كتبه المتقدمة وشرائعه الماضية، كما أحل لآدم تزويج بناته من بنيه، ثم حرم ذلك، وكما أباح لنوح بعد خروجه من السفينة أكل جميع الحيوانات، ثم نُسخ حِلُّ بعضها، وكان نكاح الأختين مباح لإسرائيل وبنيه، وقد حرم ذلك في شريعة التوراة وما بعدها. وأشياء كثيرة يطول ذكرها، وهم يعترفون بذلك ويصدفون عنه. وما يجاب به عن هذه الأدلة بأجوبة لفظية، فلا تصرف الدلالة في المعنى، إذ هو المقصود، وكما في كتبهم مشهورا من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم والأمر بإتباعه، فإنه يفيد وجوب متابعته، عليه الصلاة والسلام، وأنه لا يقبل عمل إلا على شريعته. وسواء قيل إن الشرائع المتقدمة مُغَيَّاة إلى