الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأنه فكرة ناشئة من نزغات الشيطان وأنه وليهم (1).
الوجه الثاني: تكملة الآية وما بعدها يرد عليهم
.
حيث قال الله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)} ، فهي لا تكاد تحكي قولتهم المتهورة في اتهام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تلحقها بما يثبت خطأها وبطلانها، وذلك قوله عز وجل فيه {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُون} ، وكأن هذين الأسلوبين في الرد عليهم لا يكفيان؛ فإن الآية التالية تأتي بالجواب القاطع قال تعالى:{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 102].
ومما يدل على ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)} [يونس: 15].
الوجه الثالث: سباق ولحاق الآية ينكر هذه الدعوى
.
قال د/ مصطفى زيد: ولا نمضي مع الردود الأخرى التي تضمنها سياق الآيات من بعد، فإن علينا قبل هذا أن نعود إلى السياق لنرى ماذا كان قبل الآية:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 98 - 100].
وكون المتحدث عنه في أولها هو القرآن، ووجوب الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند قراءته واضح وضوحًا شديدًا، فليس في حاجة إلى أن ننبه عليه، وإنما نرى أن ننبه على ما عالجته بعد ذلك، من نفي سلطان الشيطان على المؤمنين المتوكلين على ربهم، وهو نكرة وقع في سياق النفي فيعم، ومن حصر لهذا السلطان الذين يتخذونه وليًا، فيطيعونه
(1) تفسير الآلوسي (14/ 231).
ويشركون بالله، ذلك أن من مظاهر طاعتهم له ونتائجها هذا الاتهام لمحمد صلى الله عليه وسلم بالافتراء، إذا نسخ الله عز وجل آية من كتابه بآية.
إنه واقع حدث منهم، نتيجة لسلطان الشيطان عليهم، وماذا عسى أن تكون وسوسة الشيطان إلا خطأ وباطلًا وجهلًا؟ غير أنهم بسبب تسلطه غافلون عن هذا كله، فسرعان ما يرمون بالافتراء أصدق الناس وأوثقهم وآمنهم.
ولكن هناك واقعًا آخر كله صدق وحق وحكمة، وهذا الواقع هو النسخ، فقد نسخ الله عز وجل من كتابه الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه آيات بآيات أخرى، وكان ذلك لحكمة اقتضته وإن جهلناها نحن أحيانًا غير أن الله عز وجل وهو أعلم بما ينزل - يعلمها منذ الأزل، وقد جاء النسخ - حين جاء - تحقيقًا لهذه الحكمة، ولم يكن اعتراضًا عليها.
ونعود لمتابعة السياق مرة أخرى بعد آية التبديل والآية التالية لها - وفيها الرد الذي يجب أن يجابههم به الرسول - فنجد أن الله عز وجل يقول: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105) مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107)} [النحل: 103 - 107].
وفي هذه الآية حكاية لدعواهم الباطلة: أن الذي يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هم بشر، لكن بطلان هذه الدعوى وكذبها وخطأها - هو أيضًا - واضح شديد الوضوح، فإن الذي ينسبون إليه أنه هو الذي يُعلِّم النبي صلى الله عليه وسلم أعجمي اللسان، والقرآن الذي يزعمون أنه من تعليم هذا الأعجمي عربي اللسان، بل هو عربي مبين: في بلاغة، وقوة، وإعجاز. فكيف يصدر مثله عن مثل ذلك الأعجمي؟ .