الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذلك، فيقال: آية المواريث نسخت آية الوصية للوالدين، ويقال: خبر أكل الرسول من الشاة ولم يتوضأ ناسخ لخبر وضوئه مما مست النار وهلم جرا، والخطب في ذلك جد يسير.
ما لا بد منه في النسخ:
ولعلك تدرك مما سبق أنه لا بد في تحقق النسخ من أمور أربعة:
أولها: أن يكون المنسوخ حكمًا شرعيًا.
ثانيها: أن يكون دليل رفع الحكم دليلًا شرعيًا.
ثالثها: أن يكون هذا الدليل الرافع متراخيًا عن دليل الحكم الأول غير متصل به كاتصال القيد بالمقيد والتأقيت بالمؤقت.
رابعها: أن يكون بين ذينك الدليلين تعارض حقيقي. (1)
المبحث الثاني: أدلة وقوع النسخ:
أولًا: الدليل من القرآن
الدليل الأول: قال تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)} [البقرة: 106]. ووجه الدلالة: أن الله تعالى بين أنه سبحانه إذا نسخ آية أورد مكانها آية أخرى، وكلام الله صدق.
الدليل الثاني: قال تعالى {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)} [النحل: 101].
قال الطبري: يقول تعالى ذكره: وإذا نسخنا حكم آية، فأبدلنا مكانه حكمًا آخر، والله أعلم بما ينزل يقول: والله أعلم بالذي هو أصلح لخلقه فيما يبدِّل ويغير من أحكامه، قالوا: إنما أنت مفتر يقول: قال المشركون بالله، المكذبون لرسوله صلى الله عليه وسلم لرسوله: إنما أنت يا محمد مفتر: أي مكذب تخرص بتقوّل الباطل على الله، يقول الله تعالى بل أكثر هؤلاء القائلين لك يا محمد: إنما أنت مفتر جهال، بأنّ الذي تأتيهم به من عند الله ناسخه ومنسوخه، لا يعلمون حقيقة صحته (2).
(1) مناهل العرفان (2/ 150: 148).
(2)
تفسير الطبري (14/ 176).
قال الرازي: والتبديل يشتمل على رفع وإثبات، والمرفوع إما التلاوة وإما الحكم، فكيف كان فهو رفع ونسخ (1).
الدليل الثالث: قال تعالى {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)} [الرعد: 39].
قال السعدي: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ} من الأقدار {وَيُثْبِتُ} ما يشاء منها، وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه وكتبه قلمه؛ فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير؛ لأن ذلك محال على الله أن يقع في علمه نقص أو خلل ولهذا قال:{وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} أي: اللوح المحفوظ الذي ترجع إليه سائر الأشياء، فهو أصلها، وهي فروع له وشعب.
فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب، كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسبابًا ولمحوها أسبابًا، لا تتعدى تلك الأسباب، ما رسم في اللوح المحفوظ، كما جعل الله البر والصلة والإحسان من أسباب طول العمر وسعة الرزق، وكما جعل المعاصي سببًا لمحق بركة الرزق والعمر، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب سببًا للسلامة، وجعل التعرض لذلك سببا للعطب، فهو الذي يدبر الأمور بحسب قدرته وإرادته، وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه في اللوح المحفوظ. (2)
الدليل الرابع: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160)} [النساء: 160]، ووجه الدلالة فيها أنها تفيد تحريم ما أحل من قبل وما ذلك إلا نسخ، وكلمة {أُحِلَّتْ لَهُمْ} يفهم منها أن الحكم الأول كان حكمًا شرعيًا لا براءة أصلية (3).
(1) تفسير الرازي (3/ 230).
(2)
تفسير السعدي (420: 419).
(3)
مناهل العرفان (2/ 161).