الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - شبهة: حول حفظ الله للقرآن، وحديث الداجن
.
نص الشبهة:
قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، فأثبت الله حفظه للقرآن الكريم كما في الآية، وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها: أن الداجن دخلت فأكلت صحيفة كُتِبَ فيها آية الرجم والرضاع. فكيف يكون الحفظ؟ .
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
الوجه الأول: أن الحديث لا يصح، فلا تعارض حينئذ
.
الوجه الثاني: على القول بتحسينه، فالجواب عليه من هذه الوجوه:
الأول: الحفظ كان في صدور الرجال، وعائشة ليست وحدها عندها الأوراق.
الثاني: تفسير أهل العلم لمعنى الحفظ في الآية.
الثالث: أن الله عز وجل هو الذي تولى حفظ القرآن بنفسه دون سائر الكتب.
الوجه الثالث: إثبات أن كتبهم محرفة بالزيادة والنقص.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: أن الحديث لا يصح، فلا تعارض حينئذ.
ونصه: (لما نَزَلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ وَرَضَاعَةُ الْكَبِيرِ عَشْرًا، فَلَقَدْ كَانَتْ في صَحِيفَةٍ تَحْتَ سريري، فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم شُغِلْنَا بِمَوْتِهِ، فَدَخَلَ الدَّاجِنُ فَأَكَلَهَا)(1).
(1) أخرجه أبو يعلى (4569) من حديث جعفر بن حميد الكوفي، والدارقطني (4330)، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (15468) من حديث محمد بن يحيى القطعي، وابن ماجه (1944)، والطبراني في الأوسط (7805)، وابن حزم في المحلى (11/ 235)، من حديث يحيى بن خلف، ثلاثتهم (جعفر - ومحمد - ويحيى) عن عبد الأعلى: قال حدثنا محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عمرة، عن عائشة الحديث.
وأخرجه أحمد (6/ 269) من حديث إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، قال حدثني عبد الله به.
وأخرجه ابن الجوزي في الناسخ والمنسوخ (188) من حديث ابن أبي داود، حدثنا عبد الله بن سعد قال حدثني عمر قال حدثني أبي عن محمد ابن إسحاق قال حدثني عبد الله به. . . .
وأخرجه أبو يعلى (4588) والدارقطني (4330)، وابن ماجه (1944)، والطبراني في الأوسط (7805)، وابن حزم (11/ 235) عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: قالت عائشة. . . . الحديث.
وقد تكلم أهل العلم على هذا الحديث، وإليك بعض من تكلم فيه:
قال ابن قتيبة: بعد ما ذكر حديث الداجن: وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجم الناس بعده وأخذ بذلك الفقهاء. وأما رضاع الكبير عشرًا، فنراه غلطًا من محمد بن إسحاق، ولا نأمن أيضًا أن يكون الرجم الذي ذكر أنه في هذه الصحيفة كان باطلًا؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ماعز بن مالك، وغيره قبل هذا الوقت، فكيف ينزل عليه مرة أخرى، ولأن مالك بن أنس
ومدار الحديث على محمد بن إسحاق، فمرة يرويه عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، ومرة يرويه عن عبد الرحمن بن القاسم، وقد خولف ممن هو أثبت منه.
خالفه مالك بن أنس كما أخرجه مالك في الموطأ (1270 - كتاب الرضاع، باب جامع ما جاء في الرضاعة) عن ابن أبي بكر عن عمرة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: "كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس رضعات معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مما يقرأ من القرآن".
وأخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (3/ 7) وابن ماجه (1942) من حديث عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عمرة به.
وأخرجه مسلم (1452)، وعبد الرزاق (13913)، والدارقطني (4338)، والشافعي في المسند (307)، والبيهقي (7/ 454) من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة ولفظه أنها كانت تقول:"نزل القرآن بعشر رضعات معلومات يحرمن، ثم صرن إلى خمس يحرمن، فكان لا يدخل على عائشة إلا من استكمل خمس رضعات "ولفظ حديث القاسم" كان فيما أنزل من القرآن، ثم سقط لا يحرم إلا عشر رضعات أو خمس معلومات "وليس فيه ذكرٌ للداجن ولا هذه الصحيفة، وأيضًا فإن حماد بن سلمة خالفه فرواه عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عمرة عن عائشة أنها قالت:"كان فيما أنزل الله من القرآن ثم سقط لا يحرم إلا عشر رضعات أو خمس معلومات".
أخرجه ابن ماجه (1942) والطحاوي في مشكل الآثار (3/ 7).
ومحمد بن إسحاق دون مالك وحمادٍ بكثير، خاصة وقد تكلم فيه أهل العلم بكلام كثير، وانظره إن شئت في تهذيب الكمال (24/ 405: 428) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (7/ 191: 194).
قال الذهبي: وأما في أحاديث الأحكام فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن إلا فيما شذ فيه فإنه يعد منكرًا. سير أعلام النبلاء (7/ 41).
وقال أيضًا: فالذي يظهر لي أن ابن إسحاق: حسن الحديث، صالح الحال، صدوق، وما انفرد به ففيه نكارة؛ فإنَّ في حفظه شيئًا. ميزان الاعتدال (3/ 475).
فدلت المخالفة على شذوذ ابن إسحاق في الرواية، ولم يذكر الداجن سواه، وهو من قد علمت في سوء حفظه، وقد انفرد بهذا اللفظ ولم يأت به أحد سواه، فالزيادة شاذة لا تعتمد.
روى هذا الحديث بعينه عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات يحرمن، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن)، إلى أن قال: "وألفاظ حديث مالك خلاف ألفاظ حديث محمد بن إسحاق. ومالك أثبت عند أصحاب الحديث من محمد بن إسحاق (1).
قال السرخسي: وحديث عائشة لا يكاد يصح؛ لأنه قال في ذلك الحديث: وكانت الصحيفة تحت السرير فاشتغلنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل داجنٌ البيتَ فأكله، ومعلوم أن بهذا لا ينعدم حفظه من القلوب، ولا يتعذر عليهم إثباته في صحيفة أخرى؛ فعرفنا أنه لا أصل لهذا الحديث". (2)
وقال أيضًا: أما حديث عائشة رضي الله عنها فضعيف جدًا؛ لأنه إذا كان متلوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونسخ التلاوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز فلماذا لا يتلى الآن؟ ! وذُكر في الحديث (فدخل داجن البيت فأكله)، وهذا يقوي قول الروافض الذين يقولون: كثير من القرآن ذهب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يثبته الصحابة رضي الله عنهم في المصحف وهو قول باطل بالإجماع (3).
قال ابن حزم: وقد غلط قوم غلطًا شديدًا، وأتوا بأخبار ولَّدها الكاذبون والملحدون، منها أن الداجن أكل صحيفة فيها آية متلوة فذهب البتة.
إلى أن قال: وهذا كله ضلال نعوذ بالله منه ومن اعتقاده، وأما الذي لا يحل اعتقاد سواه فهو قول الله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، فمن شك في هذا كفر، ولقد أساء الثناء على أمهات المؤمنين، ووصفهن بتضييع ما يتلى في بيوتهن؛ حتى تأكله الشاة فيتلف، مع أن هذا كذب ظاهر، ومحال ممتنع؛ لأن الذي أكل الداجن لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم حافظًا له، أو كان قد أنسيه، فإن كان في حفظه، فسواء أكل الداجن الصحيفة أو تركها، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنسيه، فسواء أكله الداجن أو تركه قد
(1) تأويل مختلف الحديث (315: 314).
(2)
أصول السرخسي (2/ 80).
(3)
المبسوط للسرخسي (5/ 134).