الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثالث
قال الرازي: في أن الرسول صلى الله عليه وسلم هل كان متعبدا بشرع من قبله؟ وفيه بحثان
البحث الأول:
أنه قبل النبوة، هل كان متعبدا بشرع من قبله؟! أثبته قوم، ونفاه آخرون، وتوقف فيه ثالث.
احتج المنكرون بأمرين:
الأول: أنه لو كان متعبدا بشرع أحد، لوجب عليه الرجوع إلى علماء تلك الشريعة، والاستفتاء منهم، والأخذ بقولهم، ولو كان كذلك، لاشتهر، ولنقل بالتواتر؛ قياسا على سائر أحواله، فحيث لم ينقل، علمنا أنه ما كان متعبدا بشرعهم.
الثاني: أنه لو كان على مله قوم لافتخر به أولئك القوم، ولنسبوه إلى أنفسهم، ولاشتهر ذلك.
فإن قلت: " لو لم يكن متعبدا بشرع أحد، لاشتهر ذلك ".
قلت: الفق أن قومه ما كانوا على شرع أحد، فبقاؤه لا على شرع ألبتة لا يكون شيئا؛ بخلاف العادة، فلا تتوفر الدواعي على نقله، أما كونه على شرع، لما كان بخلاف عادة قومه، فوجب أن ينقل.
احتج المثبتون بأمرين:
الأول: أن دعوة من تقدمه كانت عامة، فوجب دخوله فيها.
الثاني: أنه كان يركب البهيمة، ويأكل اللحم، ويطوف بالبيت.
والجواب عن الأول: أنا لا نسلم عموم دعوة من تقدمه.
سلمناه؛ لكن لا نسلم وصول تلك الدعوه إليه بطريق يوجب العلم، أو الظن الغالب، وهذا هو المراد من زمان الفترة.
وعن الثاني، أن نقول: اما ركوب البهائم، فهو حسن في العقل، إذا كان طريقا إلى حفظها بالعلف وغيره، وأما أكله لحم المذكى، فحسن ايضا؛ لانه ليس فيه مضرة على الحيوان، واما طوافه بالبيت، فبتقدير ثبوته، لا يجب - لو فعله من غير شرع - أن يكون حراما.
التقسيم الثالث
قال القرافي: قوله: (وفيه بحثان):
البحث الأول
هل كان النبي عليه السلام متعبدا بشرع من قبله؟
قلت: هذه الصيغة في قوله: (متعبدا) يحتمل فتح الباء، فيكون اسم مفعول، وكسرها، فيكون اسم فاعل، والذي يظهر لي الكسر؛ بمعنى أنه هل كان عليه السلام يعبد الله تعالى ويتقرب إليه على وضع شريعة اختارها؛ لعلمه بفساد ما عليه الجاهلية، أم كان تحنثه في غار حراء وغيره بمقتضى المناسبة عنده، لا ملتزما شريعة متقدمة؛ لعدم ثبوتها عنده.
وقد قال بعض العلماء في قوله تعالى: {ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك} [الشرح: 2/ 3]، قال: هو الثل الذي كان يجده من علمه بأن ما عليه الجاهلية خطأ، وكان يقترح اشياء يتحنث بها، ويتردد، هل هي موافقة لله تعالى أم لا؟ بمعنى أن الله تعالى قد يكون نهى عنها، أو أمر بها أم لا، في شريعة من الشرائع ولا بعدها، وجميع الطاعات والمعاصي بالنسبة إلى الله تعالى سواء؛ لا تضره المعصية، ولا تنفعه الطاعة، وإنما ينشأ حسن هذه الأمور عن الأمر والنهي فقط، فكان عليه السلام يجد لعدم علمه بالأمر والنهي في ذلك مشقة عظيمة، وثلا كبيرا، فلما جاء الوحي، زال ذلك الثقل ووضع عنه، وبقى على بصيرة في أمر الله تعالى ونهيه، فذلك الوزر الموضوع؛ لأن الوزر هو النثل لفة، فهذا هو معنى قولنا: إنه هل كان متعبدا بشرع من قبله؟ ويدل على ذلك أن سيف الدين الآمدي وغيره لما نقل الخلاف في هذه المسألة قال: نفى التعبد أبو الحسين البصري وغيره.
واختلف المثبتون
فمنهم: من نسبه إلى شرع نوح.
ومنهم: من نسبه إلى شرع إبراهيم.
ومنهم: من نسبه إلى شرع موسى.
ومنهم: من نسبه إلى شرع عيسى.
ومنهم: من قضى بالجواز.
[ومنهم: من] يتوقف في الوقوع كالغزالي، والقاضي عبد الجبار، وغيرهما، وإذا كان من جملة الخلاف بالنسبة إلى عيسى وموسى، والقاعدة المقررة أن كل نبي لا يتناول شريعته، إلا قومه وذراريهم، دون غيرهم، فشريعة موسى وعيسى
عليهما السلام لا يتناول إلا بني إسرائيل، وذراريهم دون غيرهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن من ذراري بني إسرائيل؛ فلا تتناوله شريعتهما، فلا يكون الله تعالى قد تعبده بشرعهما إجماعا؛ على هذا التقدير، وإنما يتأتى بحكاية الخلاف في ذلك، إذا صح ما ذكرته، وهذا الاستشهادلا يتم في شريعة إبراهيم ونوح عليهما السلام؛ لأنه عليه السلام من ذريتهما.
ويؤكد ما ذكرته إجماع الأمة على أن المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مكلفين بالإيمان بالشرائع المتقدمة، وكذلك انعقد الإجماع على أن كفارهم في النار، ولولا التكليف، لم يؤاخذوا بالكفر، فيكون أهل ذلك العصر بجملتهم مكلفين بشرع من قبلهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم منهم.
وإذا كان التكليف مجمعا عليه، يكون فتح الباء مجمعا عليه، فلا يستقيم حكاية الخلاف فيه، بل في كسر الباء خاصة، ومن التزم فتحها، يتعين عليه أن يقول ذلك في الفروع، دون الأصول؛ لحصول الإجماع في الأصول في حق جميع الناس، وهو عليه السلام منهم، ونقول: هو متعبد بشرع من قبله إجماعا باعتبار الأصول، هذا هو الذي يظهر لي، غير أنه قد وقع لبعضهم ما يدل على خلاف ذلك.
قال سيف الدين: غير مستبعد من الله تعالى أن يعلم أن مصلحة الشخص يقتضي أنه يعتقد أن الله تعالى هو المتعبد له بذلك، وعلى هذا تكون الباء مفتوحة، وهذا الموضع بخلاف قولنا: النبي عليه السلام متعبد بعد النبوة بشرع من قبله، وكذلك أمته، وهي المسألة الثانية التي بعد